عمر وباسل

Your pictures and fotos in a slideshow on MySpace, eBay, Facebook or your website!view all pictures of this slideshow

الجمعة، 29 فبراير 2008

ذكريات 1

" اللوحة للصديق الفنان رفيق البغدادى من وحى قصة محمود سليمان "





الذكريات زاد الروح والقلب ، جُب عميق يحاول الإنسان الخروج منه مرة ويبحر فى أعماقه مرات 00فى كل مرة سآتيكم بقبس منها قد يزيح شيئا من العتمة 00

( ذكريات و تساؤلات ) خواطر بقلم إيهاب رضوان

" يا إلهى ! كيف يكتهل الفتى بلمحة
أم أن كل خسارة تعنى اكتهالا فى الزمان؟
مهلا و أجل دمعة العينين
حاول مرة أخرى
و لا تسقط تماما يا حصان ! "


محاولا الولوج مرة أخرى إلى عالم الكتابة الحبيب ، أطرح ذلك السؤال اللحوح : لماذا توقفت عن الكتابة ؟....الإجابات كثيرة و متنوعة
وجميعها مردود عليها.. منها ضياع الحلم العام و التقوقع فى إطار الأحلام الذاتية ، ومنها الانحدار و الركود السياسى و الفكرى المستشرى حولنا .. كذلك الانشغال الشديد بالأعباء الأسرية و الزوجية .. بل أحيانا يصل الشك إلى زوال الموهبة نفسها ربما .. وحين يحلو لى تجميل الأمر، ألجأ إلى حيلة الاكتمال المزعوم مرددا أن الكاتب إذا اكتمل انفجر،

و حتى إذا لم ينفجر أو يحترق ، فإنه يصبح صعب الإرضاء ، فيرى ما يكتبه تافها..
حتى فى لحظات السعادة يجف الحبر أيضا و كأننى أكتفى بعيش لحظات السعادة بكل طاقتى بينما أكتب عن الحزن باقتدار بالغ ، رغم أننى إنسان يمتلك قدرا لا بأس به من الرضا بصفة عامة ..
بدأت القراءة منذ الصف الرابع الابتدائى ، والقراءة المركزة من الصف الأول الثانوى ، فبدأت أتناول المؤلفات الكاملة لكل كاتب بمفرده ، يوسف إدريس و يوسف السباعى

و محمد عبد الحليم عبدالله و يحيى حقى والسحار ونجيب محفوظ وأنيس منصور وغيرهم .. كان يحلو لى الجلوس فى المكتبات العامة واستخراج الكتب القديمة التى يعلوها الغبار المعتق ، يتسلل إلى أنفى فأنتشى ..
ثم بدأت قراءة الأعمال المعاصرة فى الشعر والقصة والرواية ، كنت كائنا قارئا بحق ، أقرأ فى أى وقت حتى أيام الامتحانات وفى أى مكان حتى دورة المياه -لا مؤاخذة - حين تشتد رقابة الأسرة أيام الامتحانات المهمة .. هويت التنقيب فى كتب والدى الأزهرية عن المشكلات العويصة فى النحو فزادت حصيلتى اللغوية بشكل مذهل وأصبحت لغتى العربية ممتازة فى سن مبكرة ...
البداية الحقيقية للكتابة كانت فى السنة الثانية من المرحلة الجامعية فى كلية التربية - قسم الرياضيات - التى أعشقها منذ الصغر... تعرفت على شخصية مدهشة هى شخصية (د. عمر الشبراوى ) أستاذ التاريخ الإسلامى ، كوّنا معا منتدى أدبيا للجامعة كلها فى كليتنا.. وفى هذا المنتدى
ترعرعت موهبتى سريعا فأصبحت أنشر قصصى فى معظم المجلات والجرائد الشهيرة وفزت فى مسابقات عديدة ... كان (د.عمر) ينقدنا ويوجهنا بحنو وحزم ، ويحل مشاكلنا اليومية والعائلية ببسالة ، ويشاركنا الرحلات والمرح بقلب طفل .. مكتبه كان مطارا دوليا للجميع .. المفتاح معنا ندخل وقتما نشاء لإعداد المسابقات ومجلات الحائط والندوات وحين تضج من الجوع عصافير بطوننا ، ينقلب المكتب إلى مطعم كبير يمتلئ بأطباق الكشرى والفول والطعمية .. تمتلئ أفواهنا بالطعام اللذيذ وتفيض عيوننا وقلوبنا حبا لهذا الرجل ، الذى سميت طفلى الأول - عمر - باسمه ولا تزال صلتى الوطيدة به مستمرة بشكل عائلى متكامل منذ أكثر من 12 عاما ..
من بين أعضاء المنتدى تكونت مجموعة صغيرة حوالى عشرة طلاب وطالبات ، نشأت بيننا صداقة حميمة .. ضمت المجموعة شخصيات جميلة ومتفردة .. شعراء وقصاصون ورسامون وغيرهم .. كانت هناك كثير من قصص الحب الفاشلة دوما... أصدقائى : لا تخافوا ... لا أقصد مطلقا مجرد الحديث عن نفسى .. إننى قليل الكلام بطبعى ولكن على الورق أصبح كارثة .. اصبروا تجدوا ما يسركم ....
سوف أحكى لكم هذه المرة عن صديقى
( محمود سليمان ) .. حكايته فى غاية الرومانسية واللذاذة .. هو أكثر أهل الأرض تفاؤلا ومرحا ولا يزعجه شىء فى الحياة أبدا .. بدأ كاتبا للقصة القصيرة وكان يعتبرنى أستاذه ويبدو أننى قمت بدورى تجاهه خير قيام ، فجعلته يترك القصة ويتجه للرسم والفن التشكيلى .. عندما أحب فتاة زميلتنا وأحبته ، اشترى دبلتين فضة وأعلن الخطبة أمامنا فى الكلية وأمام أبيه .. بدأ يحلم بالبيت والأولاد وشكل الشقة التى سيتزوج فيها ، إلا أننى كنت أعتقد دوما أنها لا تستحقه ...
أذكر مرة بعد أن بدأ يعمل بتجارة الملابس وهو طالب ، أن جاءنى اتصال تليفونى من شخص لا أعرفه يقول إن
(محمود) محتجز بقسم الشرطة ويطلب منى نجدته !!.. ذهبت إليه مع صديق آخر، تحدثنا معه من نافذة الحجز الضيقة وروى لنا أنه قبض عليه للتحرى لأنه سافر إلى بورسعيد بدون بطاقة شخصية .. كنا ملهوفين عليه وكان باسما ، بل سعيدا ، يحدثنا عن الشخصيات المدهشة التى معه فى الحجز من المجرمين وفجأة سألنى : " واد يا إيهاب ما جبتش أكل معاك ؟ ".. ناولته الساندوتشات من بين القضبان و أنا أشب على أصابعى لأشاهده يأكل وعيناه تلمعان بالبهجة ، حتى كدت أحسده...


" أنا لم أجد رجلا يعيش بقلب أم مثله !
رجل رؤوم
هو الحنون ابن الحنونة والحنون
وهو الذى يرعى أباه هشاشة
وترفقا
وكأن والده جنين
وهو الذى ظلت أمومته تظلل أمه
ليرى ابتسامتها
ويفزع أن يكون بصوف كنزتها
و لو خيط حزين !!.. "

والآن حكايته الألذ ... كان يزور عمه الفنان التشكيلى الذى يعمل مدرس تربية فنية بمدرسة صناعية ، فوجد فى مخزن المدرسة كتلة حديدية صماء ، أخبره عمه أنها قذيفة مدفع فاسدة من مخلفات نكسة يونيو 1967 م ... عندئذ خطرت ل (محمود) تلك الفكرة العبقرية .. أن يحول تلك القذيفة الفاسدة – رمز الحرب والدمار – إلى حمامة بيضاء – رمز الحب والسلام – ضحك منه عمه ، فلم يكن يتصور حدوث ذلك .. القذيفة يغطيها الصدأ بالكامل ، فظل ينظفها أياما طويلة ، حتى أن عمه كان يتركه وحيدا فى المدرسة بعد انصراف الجميع ، ليعمل وحده بكل جد وتلك الابتسامة الخالدة على وجهه ، واثقا من تحقيق حلمه.. يا سلام آلة الحرب الجهنمية سيحولها إلى مخلوق وديع يملك من المحبة والسلامة النفسية مثلما بقلب (محمود) تماما...


" هو شاعر
والشعر يجرى فى يديه بلا كلام
الحب فيه طبيعة منذ الولادة
مثلما تقضى الطبيعة
أن رفرفة الجوانح فى الحمام
تدنو أصابعه
طيورا فى فناء الدار
تنثر رزقها حَبّا وحُبّا
ثم تعلو فى التكتم والغمام "

النار ربما تزيل الصدأ .. أشعل الموقد ووضع الكتلة فوق النار.. فى ثوان انتهت مشكلة الصدأ تماما .. وانتهى الفتى أيضا .. رجال الإسعاف والشرطة والأهل فشلوا فى لملمة أشلائه المتفحمة .. نعم .. القذيفة كانت سليمة تماما وقابلة للانفجارمنذ عام 1967م ، أى قبل مولد (محمود) نفسه بسنوات طويلة!!... أداة موته المروعة ظلت تنتظره بشغف كل هذه السنوات حتى تجاوز العشرين من عمره الغض .. مئات من الطلاب والمعلمين أمسكوها ، لكنها انتظرت يديه هو ، كأنها تعرف بصمات أنامله بالذات .. ليتأكد له ولنا كم هى لذيذة هذه الحياة .. الدموع كانت أنهارا .. هى المرة الوحيدة التى بكيت فيها أمام عشرات الأشخاص فى فناء الكلية حيث عرفت الخبر أثناء زيارتى ل (د.عمر) والأصدقاء بعد تخرجى .. كان الحزن أكبر منا حتى احتوانا بداخله ولم يسكن هو بداخلنا .. حتى الآن وبعد أكثر من سبع سنوات لم يكتب أحدنا – شاعرا أو قاصا – عملا أدبيا واحدا عنه ، رغم محاولاتنا العديدة ..أحزان بالجملة وخبر صغير عن الحادثة منشور فى ركن الصحيفة ، هم كل ما تبقى من (محمود) .. محبوبته تزوجت طبعا وأسمت طفلها الأول محمودا مثله...

" أيها الصياد الكهل
ذو النظارة السميكة
أيها الأشعث الذى يرتجل شأنه
أيها الذى لا يعرف العدل ، أيها الموت
سأقودك من شحمة أذنك
و آمرك أن تفتح عينيك جيدا
لترى فداحة فعلتك الأخيرة !
أريد صاحبى أيها الموت
أيها الذى جعلته يمعن بعدا
عن المحبوب وبلد المحبوب
وتركت فى عينى سخط خليقة كاملة .. "
" بغيابه..
حرقوا حديقة مكرمات كاملة
والله إن قلنا له ينخاك محتاج
سأعجب كيف يمنعه الضريح
من القيام !! "

* تسجيل صوتى للراحل محمود سليمان بصوته يلقى قصته القصيرة ( الشارب ) :




هه .. ما رأيكم؟.. قصة لذيذة كما قلت لكم .. أرأيتم أن كل هذا الحزن فى قصتى (التوت المحروق) ليس كثيرا كما يستغربه البعض .. بالمناسبة أنا لم أر فى حياتى شجرة توت حقيقية إلا مصادفة بعد كتابة قصتى ولم أعش جو القرية بكل تلك التفاصيل .. المهم .. المشكلة أن هذه لم تكن آخر الأحزان ولا أقساها .. لا تزال هناك درتى (ست الحزن) .. هذه روايتى الرهيبة التى ربما تجدونها ذات يوم ، عندما أنجح فى إخراج نفسى من بوتقة الذكريات وأعود إلى الكتابة بحق ، لأروى لكم أغرب قصة سمعتموها على الإطلاق .. الدراما التليفزيونية بجوارها مجرد تفاهة .... وشخصيات (هيتشكوك) المعقدة بجوار شخصياتها ، مجرد أطفال سذج .. حب وتضحية وزواج وطلاق وسفر واغتراب وعودة وقتل وسجن و... و... وكلها أحداث حقيقية وأحد أبطالها هذا الثرثار الذى لا شك أنكم تلعنونه وأنتم تقرأون كل هذه السطور .. فإلى لقاء. ( المنصورة فى 29/7/2007) " الأشعار من قصيدة (منيف)من مجموعة(ليلة مجنونة) للشاعر(مريد البرغوثى) " إيهاب رضوان

الأحد، 24 فبراير 2008

العزف على أوتار مقطوعة


( العزف على أوتار مقطوعة ) قصة قصيرة

المذهل أنك حين عدت فجراً لأخذ حقيبتك وجدتها أعدت لك طعام إفطارك رغم فعلتك منذ ساعات .. تندفع إلى باب حجرتها وتكاد تدخل لتنحنى على يدها فى صمت وتبكي لكن يدك اليمنى تتجمد على مقبض الباب فتدرك أنها لم تعد جزءا منك .. تتمنى لو ينفرج الباب قليلا لتلقى فقط نظرة خجلى عليها وعلى إخوتك المتناثرين حولها بلا غطاء ..
فى طريقك إلى محطة القطار تعجز أن تركل كل حصاة تقابلك ولا تتجاهل الرصيف لتمشى فى منتصف الطريق الخالى ، رافعاً صوتك بأغنية مليئة بالشجن لأم كلثوم .. تسرع بإغلاق نافذة الدرجة الثالثة تفادياً لطلقات البرد المتوالية .. تحاول أن تفعل ما تفعله كل مرة ، فتكثف أنفاسك الثلجية على الزجاج وترسم بسبابتك نفس العينين الواسعتين الخائنتين وتكتب حولهما أسماء قصصك التى لم تكتمل بعد .. هذه المرة قطرات الكلمات كلها تهرب من أماكنها وتندمج أسفل العينين المرسومتين ، فى نقطة كبيرة تسقط كدمعة ثلجية ملتهبة فوق ركبتك حيث تلتقى بأخريات تنهمر من عينيك ... تمسح الزجاج بسرعة وتحدق فى أصابعك التى تبدو لك الآن طويلة .. طويلة ..
لماذا تركتها صامتاً تسترسل فى اتهاماتها لك بالتخاذل وتنعى حظ إخوتك اليتامى مكسورى الجناح كما قالت .. صمتك ظنته لا مبالاة ونظراتك الميتة من الأسى تخيلتها استسلاما ، فأخذت تشتمك وتهزك بعنف طالبة منك أن تنطق .. عذاباتك كلها تجمعت فى يدك وهى ترتفع إلى وجهها دون وعى لم يرتد إليك إلا حين تعلقت أصابعك الآثمة فى الهواء ، بعد أن حفرت تلك الخطوط الدامية البشعة على وجهها المتغضن بصورة لم تلحظها سوى الآن .. شهقتها المفزوعة انتزعت قلبك وعصرت روحك بضراوة .. وعيناها المتلاشى نورهما شيئاً فشيئاً فوق ماكينة الخياطة المتهالكة ، لم تبخلا بضخ دموعهما بصمت قاتل .. تمنيت أن ترد على فعلتك بأية طريقة .. تصفعك آلاف الصفعات أو يتصل حبل شتائمها الطويل ويلتف حول عنقك ليزهق روحك .. لكنها صمتت .. أنت أيضا لم تستطع أن تنبس بحرف .. لم تحك لها ولا لأحد عن عذاباتك المستمرة .. نسيت حتى أن تخرج لها جيوبك الخاوية قبل أن تصفق الباب وراءك ..
على رصيف محطة الوصول تنتبه إلى أنك ، لأول مرة لم تعد المحطات العشرين التى يقف بها القطار خشية أن تزداد واحدة .. حين يسألك شيطانك متشفياً سؤاله الخبيث المعتاد: " لماذا تخدع نفسك وتتوهم أنك سعيد ؟ " ، تعجز أن تشد أذنيه هذه المرة وأن تقول بصوت يسمعه الجميع: (طظ) .. تعترف بفشلك فى عزف لحن السعادة على أوتار أيامك ..
فى الظلام الدامس على سلم الاستراحة المتآكل ، تلعن الوزارة التى لم يتبقَ من كيانها سوى اسم يثير السخرية ، والتى قذفت بك إلى هذا المنفى بعد تخرجك .. تلقى السلام على زملائك الخمسة فى نفس الحجرة ، ثم تنكمش أطراف جسدك تلقائياً لتستلقى بملابسك على سريرك السجن فى انتظار نوم تعلم أنه لن يجئ .. تنقضى الليلة بعد كابوس مقيت يجعلك تتصبب عرقاً رغم لذعات البرد .. ترى رجلاً مجهول الملامح يخطو نحوك خطوات بطيئة وبيده سكين طويلة .. بسهولة يقيد حركتك ويأخذ فى قطع ذراعك اليمنى .. العجيب أنك لا تقاومه .. فقط تتألم بصمت وتستعذب الألم لتفيق بإحساس أن مخدراً ما يسرى بذراعك .. تفقد استمتاعك بعملك الذى تحبه رغم دورانك المستمر فى ساقية الضغوط ..
فى الفصل تهتز يدك على السبورة وتفلت منك أعصابك عده مرات ، وتنفى البنت الجالسة أمامك فى الصف الأول إلى آخر الفصل لمجرد أنها تمتلك عينين واسعتين تديران الشريط الطويل لخيانات من كانت حبيبتك وخيانات بعض مَن ادعوا أنهم أصدقاؤك .. تتشاجر مع زملائك ونفسك لأتفه الأسباب والرجل ذو الملامح المجهولة يظل يقطع ذراعك كل ليلة .. المأساة أن ملامحه تنكشف أمامك فجأة ، فتجده – مصعوقاً – أباك الراحل .. يزداد المخدر المنتشر فى عروقك حتى توقن أنك ستفقد ذراعك قريباً ..
الخميس وزملاؤك يستعدون للسفر ، تكابر فتخبرهم أنك لن تغادر المعتقل هذا الأسبوع .. ليلتها تقاوم النوم خوفاً من براثن نفس الكابوس لكنه يهزمك .. تستقل أول قطار فى الصباح لتكون هناك .. من آثار السهر المحتلة ملامحها تعلم أنها لم تنم ليلة أمس قلقاً عليك .. تختبئ بأحضانها ، تنهنه وتغمر يدها بلثماتك فى تبتل .. تلقف كلمة "يا بني" من بين غمغماتها الباكية فتدرك أنها غفرت لك وأنه سيكون باستطاعتك غدا فى الفجر أن تركل كل حصاة تقابلك وتتجاهل الرصيف لتمشى فى منتصف الطريق الخالى ، رافعا صوتك بأغنية مليئة بالشجن لأم كلثوم.
– تمت - إيهاب رضوان .( نشرت بمجلة الثقافة الجديدة )

السبت، 23 فبراير 2008

الفانوس السحرى




( الفانوس السحرى ) ( قصة قصيرة )

- يلا يا بابا ميعاد الحكايات..


- إنت مش بتشبع حكايات أبدا ؟
- وهى حكاياتك ينشبع منها يا بابا ؟ .. ما أنا قلت لك إن الحكايات عندى أجمل حاجة فى الدنيا .. بس بعدك طبعا .


- يا أونطجى يا نصاب .


- والله بجد يا بابا ، ما اقدرش أعيش من غيرك


- طيب قول لى لما بابا يموت هاتعمل إيه ؟
- هاموت نفسى.


- .....................................


- إيه يا بابا سكت ليه ؟
- مش عارف أقول لك إيه .


- طيب يلا القصص أهى .. احكى بقى .. أنا عارف ليه يا ربنا ما خلقتنيش قصة ؟
- ...........................................
- بس المشكلة يا بابا لو كان ربنا خلقنى قصة كان ممكن حد يقطعنى .. الحمد لله يا ربنا إنك ما خلقتنيش قصة .. يلا بقى ..


- صلى على النبى ............................................................................


- الله حلوة قوى يا بابا .


- يلا يا جميل .. دورك بقى .


- بس أنا يا بابا ما بعرفش أقرا .


- عارف يا غلباوى .. ما انت كل يوم بتألف من دماغك.. يلا ..


- صلى على النبى .


- عليه الصلاة والسلام .


- كان فيه بابا .. كان جميل قوى وطيب خالص.. لما باعمل حاجة غلط وأجرى بسرعة عشان أقول له عليها ، بيدينى حتة علقة .. يقوم يبوسنى بوسة كبيرة ويقول لى ما تعملش كده تانى .. أنا الصراحة ساعات ما بكونش عملت حاجة أصلا وأروح أقول له كده عشان البوسة بس .. بعدين بابا ده عرف إنى بضحك عليه فقال لى كده إنت بتكدب.. قلت له ما انت عارف السبب إنى بحبك يا بابا .. عارف .. هتقول لى إنى لازم أحب ربنا والرسول أكتر وبعدين بابا .. المهم يا سيدى .. بابا الحلو ده سافر عشان يجيب فلوس وسابنى .. وأنا قعدت أعيط كتير .. كتير خالص .. وما سكتش إلا لما قال لى فى التليفون إنه كده هيزعل منى .. مش عارف والله يعنى هو مفيش فلوس كتير هنا ليه ؟.. فى الحضانة ولاد كتير باباهم بيجيبهم ويروحهم وأنا كأنى ما ليش بابا ... ماما بتذاكر لى ، بس مش شاطرة زى بابا وبتزعق لى كتير كمان ... السنة اللى فاتت يوم ما كان بابا مسافر كان بيصورنى بالكاميرا فى البيت ، حطنى وسط شنطة السفر الكبيرة وصورنى ... قلت والله يا بابا هاعملك مقلب وأستخبى جوة الشنطة وتفتحها تلاقينى هناك .. صحيت من النوم أدور على الشنطة ما لقيتهاش ومالقيتش بابا ... المرة دى والله ما هنام خالص .. ليه يا ربنا ما خلقتش فلوس كتير هنا ؟ .. هو إحنا عايزين فلوس ليه أصلا ؟ .. الست اللى بتنام فى الجنينة اللى جنبنا هى والنونو بتاعها ، بابا قال لى ما عندهمش بيت وكان بياخدنى كتير معاه بالليل نعطيها أكل .. طيب إحنا عندنا بيت .. بابا قال إنه بفلوس كتير فى الشهر.. طيب ما أنا بكرة هاشتغل وأجيب فلوس كتير قوى .. بابا الحلو ده سألنى مرة وهو خارج عاوز إيه يا حبيبى ؟ .. قلت له عاوز فانوس سحرى .. قال لى لسة بدرى على رمضان .. قلت له لأ مش عاوز فانوس رمضان .. أنا عاوز الفانوس السحرى اللى بيطلع منه العفريت.. بس يكون عفريت طيب زى ما كان فى فيلم امبارح .. بابا ضحك وقال لى هتطلب منه إيه ؟.. قلت له طبعا فلوس كتير خالص عشان ما تسافرش .. والله يا ربنا لو خليتنى ألاقى الفانوس السحرى مش هاعمل حاجة غلط تانى .. طيب قول انت يا ربنا ممكن بابا ما يسافرش ازاى ؟ .. بابا .. بابا .. إنت بتعيط ولا إيه ؟


تمت – إيهاب رضوان – ( 2008 )

التوت المحروق



( التوت المحروق ) قصة قصيرة

والله لم أقصد يا أمى.. أنا أحبك.. والله العظيم أحبك رغم كل ما كان.. صدقينى إننى حتى نسيت.. ورحمة جدى الذى كنت تحبينه نسيت كل شئ.. بالذات المرة الأولى حين قمت أشرب فسمعت ذلك الصوت من حجرتك المغلقة.. آهات عجيبة جعلتنى أشب على أصابعى لأدس عينى المزروعتين بالرمد فى "خرم" الباب..من ذلك البغل الذى كان يأكلك؟ كيف تركته يعب لحمك الكثير ..الكثير هكذا.. الذى كنت تمنعيننى من رؤيته عاريا كأننى لست ولدا مفعوصا كما تقولين دائما.. تذكرت العلقة التى أخذتها منك لما أخرجتنى أنا وبهية من تحت سريرك وقلت لى:ـ يخيبك.. بتعمل إيه انت وهى؟
حلفت لك أننا فقط نختبئ من باقى العيال.. لكنك لم تصدقينى.. من أسبوعين قلت إننى أصبحت رجلا وطردتنى من حضنك لأنام على الكنبة وسط كل العفاريت الذين تعرفين أننى أموت منهم.. وأنهم يبللون جلبابى الوحيد لتضربينى أنت كل صباح.. تذكرت كلامك وكلام الشيخ "عبد العزيز" عن النار التى سيرمينا الله فيها لو خالفنا ثلاثة: الله والشيخ "عبد العزيز" وأمهاتنا.. جعلنى كل هذا أعرف أن ذلك الرجل كان يفعل بك ما يفعله غصبا عنك.. دفعت الباب وهجمت عليه.. لكنه كان بغلا فعلا.. فلم يمكننى إلا أن أعض يده الكافرة التى تنبش صدرك.. بعد أن زعقت فيه:ـ سيب أمى يا راجل انت .
ياه.. كانت عضة يا أمى.. ليس أقوى منها إلا القلم الذى أعطاه لى.. فطرت.. طرت مثل الكرة الشراب حين يشوطها الولد "سيد" الذى أكرهه.. لابد أنك كنت تخافين منه كثيرا.. لأنك لممت صدرك كأنك تخفينه عنى أنا وأخرجتنى بقسوة زاعقة فى:ـ إنجر نام يا مقصوف الرقبة .
ونمت.. نمت كالكلب أمام بابك المغلق بعد أن بكيت وارتعشت مثل نور لمبة الجاز فوق سريرك.. لكنك فى الصباح كنت طيبة معى.. لم تضربينى وأنا أقف أمامك عاريا لتغسلى جلبابى المبلول.. لم تشتمينى وتدعى على لما تأخرت فى الذهاب مع العيال للشيخ "عبد العزيز" فى الجامع.. هل تعرفين.. لو كنت ضربتنى ساعتها لم أكن سأبكى أبدا.. هل خفت منى يا أمى؟ ..فى الليالى التالية لم ألعب مع العيال فى الجرن.. كنت أقعد على الكنبة بعد أذان العشاء بكثير.. أراقبك وأنت تسرحين شعرك الجميل الطويل الذى أحبه.. حين كان الرجل يدخل كنت أطاوع نفسى وأفكر فى منظرك وشعرك هذا ملفوف على رقبتك وأنا أشده بقوة.. سامحينى يا أمى.. إننى لم أكرهك والله.. كرهت فقط ذلك البغل الذى وضع يده على رأسى مرة فأحسست أنه سيخنقنى ولما حاول أن يعطينى ريالا كاملا رفضت.. هل كان يعطيك ريالات أنت أيضا لينام فى حضنك بدلا منى؟ ..
فكرت أن الريالات هى السبب فقلت لك فى الصباح إننى سأعمل من اليوم لأحضر لك ريالات كثيرة بشرط أن تأخذينى فى حضنك كل ليلة.. مصمصت شفتيك ونظرت لى باستهتار قائلة :ـ عيال آخر زمن!
هل أبى هو السبب؟ جريت إلى داره الجديدة العالية.. زوجته سدت الباب وهى تكذب وتقول إنه ليس هنا.. ناديت عليه وأنا أفلت من يديها.. لكنها أمسكتنى وضربتنى.. لم أبك إلا حين شتمتك وقالت:ـ أمك "....."
هل كانت تعرف من ينام فى حضنك كل ليلة؟ ..هل كان أبى يعرف ولهذا طلقك؟ كثيرون يضربوننى فى هذه الدنيا يا أمى.. زوجة أبى تضربنى لأنها تكرهنى وأبى نفسه يضربنى وهو لا يرانى إلا صدفة.. الشيخ "عبد العزيز" يسلخ لى رجلى لأننى أتأخر عليه بالفلوس.. الولد "سيد" ينام فوقى على الأرض ويكتم نفسى أمام العيال لأن "بهية" لا تلعب "عريس وعروسة" إلا معى.. أنت أيضا تضربيننى وتركت ذلك الرجل يضربنى أول مرة.. خرج أبى زاعقا فحاولت أن أغطس فى حضنه الذى لم يفتحه لى.. انخرس لسانى فأخذت أبكى وأشد فيه ليجئ معى.. لكنه ترك زوجته ترمينى على عتبة الدار.. صحيح أن فمى امتلأ بالدم والطين.. لكنى فكرت ساعتها كيف سأقطع إذن رجل ذلك البغل من دارنا.. جاءت "بهية" تسألنى لماذا لم أعد ألعب معهم فى الجرن.. فجريت معها وقلت للعيال إننا سنلعب أمام دارنا كل ليلة.. قالوا كيف نترك الجرن الواسع وأكوام التبن والقش والترعة التى نستحم ونسابق السمك فيها.. فوعدتهم أن أسرق لهم كل السكر الذى فى دارنا.. سرقته من ورائك وأنت تستحمين فى انتظار رجلك الذى تأكدت أنه لن يجئ هذه الليلة لأننا سنلعب أمام الدار طول الليل.. تركتهم يغلبوننى كل المرات.. ولكن لما لعبنا "عريس وعروسة" لم أترك "بهية" للولد "سيد".. كله إلا "بهية" يا أمى.. هل تعرفين أنها جميلة مثلك ولها عينان واسعتان أختبئ فيهما ونحن نلعب "استغماية".. وأنها رفضت أن تأخذ منى نصيبها فى السكر لأنه حرام!! .. الشيخ "عبد العزيز" أذن للعشاء بسرعة لينام.. فقال العيال كفاية لعب.. أرادوا أن يذهبوا كلهم فقلت إننى فى الصباح سأعطى كل من يبقى ليلعب معى حفنة توت مثل العسل من التوتة العجوزة التى عينها الله على ترعتنا قبل تعيين جد العمدة الكبير.. لم يصدقونى.. والولد "سيد" الله يلعنه قال:ـ لو كنت راجل صحيح هات لنا التوت الليلة ...نسيت أننا بالليل وجريت أسرع من طيارة الرش.. التوتة لم تكن طيبة معى.. قطعت يدى ورجلى الحافيتين.. وجذعها طال .. طال حتى خرم السماء.. والعفاريت بللت جلبابى كثيرا حتى أنه لن ينشف لو نشرته فى نن عين الشمس.. لكنها لم تسخطنى قردا كما تقولين.. جمعت توتا يكفى العيال المفاجيع لأسبوع.. ولما نزلت لممت كل التوت الواقع على الأرض.. هذا التوت كان غاليا جدا.. سيأكله الملاعين صحيح.. لكنه من أجل عيونك أنت.. التوت يا أمى جعلنى لم أعد مفعوصا.. فلما ألصقت كتفى بالتوتة وجدتنى أنظر لها من فوق..قابلتنى "بهية" وقالت إن العيال أولاد الكلب ضحكوا على وغاروا من زمان.. حلفت لها أننى سأكبس بطونهم طينا بدلا من التوت الذى لففته فى صرة كبيرة قبل أن أجرى للدار.. بابك المغلق خلعته برجلى مثل "طرزان" الذى يحلف الولد "سيد" أنه قريبه.. ارتعشت كالفرخة المذبوحة وأنا أجدكما تأكلان بعضا مثل.. مثل الكلاب المسعورة يا أمى.. سامحينى.. لا أعرف هل وجدتنى بينكما على السرير.. أم أننى رميت صرة التوت فى وجه رجلك.. المهم أننى رأيت التوت يفرش السرير كله ولمبة الجاز تسقط فوقه لترش الحجرة بالنار.. هل عرفت أن رجلك جرى مع أول صرخة لك.. وأننى لم أعد مفعوصا تبلل العفاريت جلبابه.. وأننى والله.. والله العظيم لم أقصد ذلك.. هل عرفت كل هذا يا أمى قبل أن تبلعك النار مع التوت المحروق؟.
– قلم / إيهاب رضوان . ( عام 1996 )( نشرت بمجلة القصة والأهرام المسائى وأخبار الأدب وحازت على المركز الثانى على مستوى الجمهورية فى المسابقة المركزية لقصور الثقافة )

* حمل من هنا دراسة العنقاء والمطهر عن قصتى التوت المحروق للأديب القاص شريف صقر .

لماذا دخل الشتا

" دخل الشتا وقفل البيبان ع البيوت
وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت
وحاجات كتير بتموت فى ليل الشتا
لكن حاجات أكتر بترفض تموت "

من أجل كل " الحاجات " التى لا تزال ترفض الموت فى عالم شبع موتا ، أحاول أن أتكلم بصدق عسى أن يظل لصوتى صدى بعد غيابى .

دخل الشتا


كالضوء أجيء ..

أتسلل خفية من شق في الباب ..

وكالحب أجيء ..

أتسلل خفية من شق في القلب ..

وأغني ، في سكوت ..

للصوت المبحوح ، والوطن المذبوح ..

والأمنيات التي لا تموت ..!