عمر وباسل

Your pictures and fotos in a slideshow on MySpace, eBay, Facebook or your website!view all pictures of this slideshow

السبت، 23 فبراير 2008

التوت المحروق



( التوت المحروق ) قصة قصيرة

والله لم أقصد يا أمى.. أنا أحبك.. والله العظيم أحبك رغم كل ما كان.. صدقينى إننى حتى نسيت.. ورحمة جدى الذى كنت تحبينه نسيت كل شئ.. بالذات المرة الأولى حين قمت أشرب فسمعت ذلك الصوت من حجرتك المغلقة.. آهات عجيبة جعلتنى أشب على أصابعى لأدس عينى المزروعتين بالرمد فى "خرم" الباب..من ذلك البغل الذى كان يأكلك؟ كيف تركته يعب لحمك الكثير ..الكثير هكذا.. الذى كنت تمنعيننى من رؤيته عاريا كأننى لست ولدا مفعوصا كما تقولين دائما.. تذكرت العلقة التى أخذتها منك لما أخرجتنى أنا وبهية من تحت سريرك وقلت لى:ـ يخيبك.. بتعمل إيه انت وهى؟
حلفت لك أننا فقط نختبئ من باقى العيال.. لكنك لم تصدقينى.. من أسبوعين قلت إننى أصبحت رجلا وطردتنى من حضنك لأنام على الكنبة وسط كل العفاريت الذين تعرفين أننى أموت منهم.. وأنهم يبللون جلبابى الوحيد لتضربينى أنت كل صباح.. تذكرت كلامك وكلام الشيخ "عبد العزيز" عن النار التى سيرمينا الله فيها لو خالفنا ثلاثة: الله والشيخ "عبد العزيز" وأمهاتنا.. جعلنى كل هذا أعرف أن ذلك الرجل كان يفعل بك ما يفعله غصبا عنك.. دفعت الباب وهجمت عليه.. لكنه كان بغلا فعلا.. فلم يمكننى إلا أن أعض يده الكافرة التى تنبش صدرك.. بعد أن زعقت فيه:ـ سيب أمى يا راجل انت .
ياه.. كانت عضة يا أمى.. ليس أقوى منها إلا القلم الذى أعطاه لى.. فطرت.. طرت مثل الكرة الشراب حين يشوطها الولد "سيد" الذى أكرهه.. لابد أنك كنت تخافين منه كثيرا.. لأنك لممت صدرك كأنك تخفينه عنى أنا وأخرجتنى بقسوة زاعقة فى:ـ إنجر نام يا مقصوف الرقبة .
ونمت.. نمت كالكلب أمام بابك المغلق بعد أن بكيت وارتعشت مثل نور لمبة الجاز فوق سريرك.. لكنك فى الصباح كنت طيبة معى.. لم تضربينى وأنا أقف أمامك عاريا لتغسلى جلبابى المبلول.. لم تشتمينى وتدعى على لما تأخرت فى الذهاب مع العيال للشيخ "عبد العزيز" فى الجامع.. هل تعرفين.. لو كنت ضربتنى ساعتها لم أكن سأبكى أبدا.. هل خفت منى يا أمى؟ ..فى الليالى التالية لم ألعب مع العيال فى الجرن.. كنت أقعد على الكنبة بعد أذان العشاء بكثير.. أراقبك وأنت تسرحين شعرك الجميل الطويل الذى أحبه.. حين كان الرجل يدخل كنت أطاوع نفسى وأفكر فى منظرك وشعرك هذا ملفوف على رقبتك وأنا أشده بقوة.. سامحينى يا أمى.. إننى لم أكرهك والله.. كرهت فقط ذلك البغل الذى وضع يده على رأسى مرة فأحسست أنه سيخنقنى ولما حاول أن يعطينى ريالا كاملا رفضت.. هل كان يعطيك ريالات أنت أيضا لينام فى حضنك بدلا منى؟ ..
فكرت أن الريالات هى السبب فقلت لك فى الصباح إننى سأعمل من اليوم لأحضر لك ريالات كثيرة بشرط أن تأخذينى فى حضنك كل ليلة.. مصمصت شفتيك ونظرت لى باستهتار قائلة :ـ عيال آخر زمن!
هل أبى هو السبب؟ جريت إلى داره الجديدة العالية.. زوجته سدت الباب وهى تكذب وتقول إنه ليس هنا.. ناديت عليه وأنا أفلت من يديها.. لكنها أمسكتنى وضربتنى.. لم أبك إلا حين شتمتك وقالت:ـ أمك "....."
هل كانت تعرف من ينام فى حضنك كل ليلة؟ ..هل كان أبى يعرف ولهذا طلقك؟ كثيرون يضربوننى فى هذه الدنيا يا أمى.. زوجة أبى تضربنى لأنها تكرهنى وأبى نفسه يضربنى وهو لا يرانى إلا صدفة.. الشيخ "عبد العزيز" يسلخ لى رجلى لأننى أتأخر عليه بالفلوس.. الولد "سيد" ينام فوقى على الأرض ويكتم نفسى أمام العيال لأن "بهية" لا تلعب "عريس وعروسة" إلا معى.. أنت أيضا تضربيننى وتركت ذلك الرجل يضربنى أول مرة.. خرج أبى زاعقا فحاولت أن أغطس فى حضنه الذى لم يفتحه لى.. انخرس لسانى فأخذت أبكى وأشد فيه ليجئ معى.. لكنه ترك زوجته ترمينى على عتبة الدار.. صحيح أن فمى امتلأ بالدم والطين.. لكنى فكرت ساعتها كيف سأقطع إذن رجل ذلك البغل من دارنا.. جاءت "بهية" تسألنى لماذا لم أعد ألعب معهم فى الجرن.. فجريت معها وقلت للعيال إننا سنلعب أمام دارنا كل ليلة.. قالوا كيف نترك الجرن الواسع وأكوام التبن والقش والترعة التى نستحم ونسابق السمك فيها.. فوعدتهم أن أسرق لهم كل السكر الذى فى دارنا.. سرقته من ورائك وأنت تستحمين فى انتظار رجلك الذى تأكدت أنه لن يجئ هذه الليلة لأننا سنلعب أمام الدار طول الليل.. تركتهم يغلبوننى كل المرات.. ولكن لما لعبنا "عريس وعروسة" لم أترك "بهية" للولد "سيد".. كله إلا "بهية" يا أمى.. هل تعرفين أنها جميلة مثلك ولها عينان واسعتان أختبئ فيهما ونحن نلعب "استغماية".. وأنها رفضت أن تأخذ منى نصيبها فى السكر لأنه حرام!! .. الشيخ "عبد العزيز" أذن للعشاء بسرعة لينام.. فقال العيال كفاية لعب.. أرادوا أن يذهبوا كلهم فقلت إننى فى الصباح سأعطى كل من يبقى ليلعب معى حفنة توت مثل العسل من التوتة العجوزة التى عينها الله على ترعتنا قبل تعيين جد العمدة الكبير.. لم يصدقونى.. والولد "سيد" الله يلعنه قال:ـ لو كنت راجل صحيح هات لنا التوت الليلة ...نسيت أننا بالليل وجريت أسرع من طيارة الرش.. التوتة لم تكن طيبة معى.. قطعت يدى ورجلى الحافيتين.. وجذعها طال .. طال حتى خرم السماء.. والعفاريت بللت جلبابى كثيرا حتى أنه لن ينشف لو نشرته فى نن عين الشمس.. لكنها لم تسخطنى قردا كما تقولين.. جمعت توتا يكفى العيال المفاجيع لأسبوع.. ولما نزلت لممت كل التوت الواقع على الأرض.. هذا التوت كان غاليا جدا.. سيأكله الملاعين صحيح.. لكنه من أجل عيونك أنت.. التوت يا أمى جعلنى لم أعد مفعوصا.. فلما ألصقت كتفى بالتوتة وجدتنى أنظر لها من فوق..قابلتنى "بهية" وقالت إن العيال أولاد الكلب ضحكوا على وغاروا من زمان.. حلفت لها أننى سأكبس بطونهم طينا بدلا من التوت الذى لففته فى صرة كبيرة قبل أن أجرى للدار.. بابك المغلق خلعته برجلى مثل "طرزان" الذى يحلف الولد "سيد" أنه قريبه.. ارتعشت كالفرخة المذبوحة وأنا أجدكما تأكلان بعضا مثل.. مثل الكلاب المسعورة يا أمى.. سامحينى.. لا أعرف هل وجدتنى بينكما على السرير.. أم أننى رميت صرة التوت فى وجه رجلك.. المهم أننى رأيت التوت يفرش السرير كله ولمبة الجاز تسقط فوقه لترش الحجرة بالنار.. هل عرفت أن رجلك جرى مع أول صرخة لك.. وأننى لم أعد مفعوصا تبلل العفاريت جلبابه.. وأننى والله.. والله العظيم لم أقصد ذلك.. هل عرفت كل هذا يا أمى قبل أن تبلعك النار مع التوت المحروق؟.
– قلم / إيهاب رضوان . ( عام 1996 )( نشرت بمجلة القصة والأهرام المسائى وأخبار الأدب وحازت على المركز الثانى على مستوى الجمهورية فى المسابقة المركزية لقصور الثقافة )

* حمل من هنا دراسة العنقاء والمطهر عن قصتى التوت المحروق للأديب القاص شريف صقر .

هناك تعليقان (2):

gigi يقول...

هي اعظم من اي تعليق مهما بلغ واروع من اي تقدير. تعالي نحلم انني انا التي اعطي نوبل وانت ايهاب من تأخذها علي توتك المحروق الذي احرق الفساد بحنيه ايه العبقريه دي وايه ايه الروعه دي انا مأخوذه بها مذ قرأتها للمره الاولي منذ ما يقرب من احدعشر عاما ومازلت وساظل انا ومن يقرؤها .هي رائعه وكفي ومتي ستخرج علينا بعبقريه تماثلها او تفوقها تفوقها سامحني انا فقط اهذي من نشوتها بس هو الطموح فلاتؤاخذني بجد اكثر من رائعه وجزاك الله كل الخير علي كم المتعه التي منحتها لنا.

Unknown يقول...

التوت المحروق افضل قصه قصيره لاديب شاب قرئتها فى حياتى كلها لما فيها من ماساه انسانيه بكل ماتحمله الكلمه من معان لطفل انفصل ابواه لسبب اعلنته القصه لام لعوب وليس ابدا يشمل هذا الوصف كل الامهات فهو وصف يخص ام الطفل بطل القصه الذى يحيا فى مراره بين حب الام ذلك الشئ الغريزى فى جميع النفس البشريه والذود عنها بكل طاقاته الضعيفه دون جدوى من الوحش الادمى الذى يلهمها مرارا ويشبع زغبته منها وفى سبيل ذلك يفعل كل مابوسعه من اجل ابعاد ذلك عشيقها فيغرى اصدقائه باللعب امام منزلهم طوال الليل حتى لا يجد ذلك الذميم الفرصه للدخول الى الام اللعوب فيطلب شركاء اللعب منه التوت فيسابق الريح لياتى به لهم من اجل عيون امه التى فعلت كل ما بوسعها ليحيا عمره فى ماساه اليمه كذلك والده العاق له عكس كل مفردات الابوه الحقه وعندما اتى بما طلبه الرفاق وجدهم فى فرار لتتوانى الفرصه للئيم ليختلى بالام اللامباليه باحزان صغيرها والذى من فرط حبه لها يقاوم عشيقها وعفويا وبدون قصد يتسبب فى اشتعال النار فى توته الطازج وفى جسد الام الخاطئه وفى غرفه العشق المحرم وبرغم كل ذلك يظل المسكين يحبها ..يحب امه برغم كل نزواتها وقسوتها عليه هى وكل من حوله حتى شيخ الجامع الذى يخطئ كثيرا فى تفسير شرع الله عندما يقول ان الله سيرميه فى النار لو خالف ثلاثه الله وامهاتنا والشيخ عبد العزيز كل تلك الوقائع تضافرت لتصنع ماساه انسانيه فادحه يدمع لها القلب قبل العين اهنئك بشده يا استاذ ايهاب رضوان على صياغه تلك القصه والتطرق الى تلك العلاقه الشائكه بين ام لعوب بطفلها المسكين بكل هذه البراعه التى من قوتها تجعلها كالصاعقه فى وجهه المجتمع كله ...خالص تحياتى