عمر وباسل

Your pictures and fotos in a slideshow on MySpace, eBay, Facebook or your website!view all pictures of this slideshow

الثلاثاء، 26 أغسطس 2008

رمضان جانا




( رمضان جانا )

ها هو ذا الضيف العزيز قد جاء .. بروحه السمحة التى تغمر قلوبنا فتشع نورا ، وتغمر شوارعنا فتزدحم بالبهجة .. المساجد عامرة بالمصلين ووجوه الناس ضاحكة يتبادلونها ببشاشة : رمضان كريم .. الله أكرم .. وذلك الشعور المهيب ونحن نستمع إلى صوت محمد رفعت قبيل الإفطار وصوت الشيخ سيد النقشبندى بعده .. وتلك السكينة التى تلف الروح بعد تسليمة الركعة الأخيرة من صلاة التراويح .. ياااااااه ..

الحقيقة أن فرحتى لا تكتمل إلا بسماع صوت محمد عبد المطلب العتيد وهو يشنف آذاننا برائعته ( رمضان جانا ) ويالسعدى وهنائى لو انتهت الليلة بسماعى للمسحراتى بصوت سيد مكاوى فى الإذاعة خاصة وليس من جهاز الكمبيوتر ..

( عبد المطلب وتر على ثغر السماء )

"العم عبد المطلب هو مغرم

بالغوص فى بحر الخيال

فى كل عام ينفح الناس الجواهر واللآل

ويزركش الليل الحنون نجومه

ويقلد الأفق الرحيب على جبين بالهلال

العم عبد المطلب هو عاشق

من شعبنا يهوى السلام

كم صار صوب النجم يهدل كالحمام

لكنه يعدو إلينا كل عام

كى يعلن الزمن الحنون مصاحبا شهر الصيام

عمى طلب .. هو صاحب الصوت العنيد

ما زال يدوى من بعيد

ويقدم البشرى إلى شيخ قعيد

فإذا الزمان يعود كالطفل البرئ

يعود كالطفل السعيد

عمى طلب .. صوت المآذن صادحات بالنداء

صوت المآذن تستعيد الحب .. تبتاغ الصفاء

عمى طلب .. ضوء الفوانيس بألعاب الصغار

عمى طلب .. هو راية المجد التى

رُفعت تعانق الانتصار..

هو قطرة الدم التى قد أهرقت

فروت رحابات القفار

هو نصرنا مثل السيوف معاندا ذبح التتار

هو نصرنا .. قد قدم العز لنا

هو نصرنا .. قتل الهوان والانكسار

عمى طلب .. صوت حنون نلقه عبر الأثير

يُلقى البشاشة فى الوجوه ويملأ النفس الحبور

يا صوت عبد المطلب .. هيا اقترب

لا تنسنا .. فلقاؤنا

عند الأذان على الفطور

هيا اقترب ولتدكر أن تحضر

التمر العراقى وأعواد البخور . " شعر الزميل محمد حسن أبو المجد .

------------------------------------------------

· المسلمون فى رمضان والعيد ( للدكتور أحمد كمال أبو المجد ) :

مع مقدم رمضان من كل عام يتهيأ المسلمون من مشرق الدنيا إلى مغربها لاستقبال موسم فريد من مواسم الخير والبر وتتوجه قلوب مئات الملايين من الناس إلى الحق سبحانه وتعالى متوسلة إليه بطاعته ، مستعينة على هذه الطاعة بذكره وعبادته وتدبر آيات كتابه .. ومهما قيل عن استيلاء الدنيا على القلوب وانشغال الناس بأمور المعاش عن أمور المعاد والحجب الكثيفة التى ألقتها على عقول الناس طبيعة العصر وضغوط التنافس المحموم على الأرزاق ، مهما قيل عن ذلك كله فلا يزال رمضان يحمل إلى الناس فى كل عام ألوانا من الخير والرحمة والرشد .. فالمساجد عامرة بالمصلين الذاكرين القائمين والركع السجود وألسنة الملايين لا تزال ندية الأطراف بذكر الله وتلاوة آياته .. ولا يزال المسلمون - على ما أصاب الكثيرين منهم من الأثرة والشح – أجود ما يكونون فى رمضان .. يعان فيه المحتاج ويُطعم الفقير ويكرم المسكين وتوصل فيه الأرحام ، ونتمنى أن يكسر المسلمون طوق هذا الذى تعودناه من أسلوب الاحتفال برمضان وأن يجعلوا بعض احتفالهم به أن يقفوا مع الإسلام كله وقفة تعلم واعتبار .

وتمضى بالمسلمين أيام رمضان ولياليه ولا تكاد قلوبهم تأنس إليه وتعتاد عليه ، حتى يؤذن مؤذن بالوداع وتستقبل الأمة يوما سعيدا من أيامها هو يوم العيد ، والأمة التى تعيش فى رمضان معركة الصبر والانضباط وكف اللسان والجوارح كلها عن الأذى والشر ، وتخرج من ذلك كله برصيد من طاقة الخير وعزيمة الرشد ومضاء الإرادة ، هى وحدها الجديرة بأن تصحو صبيحة العيد طليقة النفوس منشرحة الصدور ، مقبلة على استئناف الحياة .. أما الذين استقبلوا رمضان كارهين ولم يحيوه بغير الإسراف والنهم واستطالة اللسان على عباد الله والتكاسل عن أداء الواجبات ، فلا يدرى أحد بماذا يحتفلون وبأى شيء فى أيام العيد يفرحون .. ولكنها والحق يقال فرحة تشوبها شوائب حزن وأسى .. وبهجة تداخلها غصة ومرارة ، فأحوالنا - نحن المسلمين- تتحدث عن نفسها حديثا توشك معه القلوب أن تغوص بين الضلوع وتكاد البسمة معه تضل طريقها إلى الشفاة والوجوه .. فالمسلمون بين جناح مهيض فى مواجهة عدوان هنا وغزو هناك .. وبأس شديد يتبادله المسلمون بينهم بما لا يتبادلون مثله مع عدوهم .. ولكننا من وراء ذلك كله نسمع فى يوم عيدنا نداء النبى صلى الله عليه وسلم : استعن بالله ولا تعجز . وخير ألف مرة من الحزن الصامت المكتوم أن نمارس الفرحة وأن نمارس معها التمرد على الواقع الحزين .. ولنجعل من ثمرات صيامنا وقيامنا فى شهر القرآن أن نبيع أنفسنا لله وأن نسمع النداء المتردد من بيت الله الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله .. نداء وا إسلاماه وليكن مع صدى هذا النداء يوم العيد أن نقول : لبيك اللهم لبيك .. تلبية صدق وعمل وبيعة على الجهاد .

· رمضان وجذوره اللغوية :
اختلف في اشتقاق رمضان ، فقد جاء في لسان العرب لابن منظور أنه من الرمض وهو شدة الحر، وقال ابن دريد : لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة أسموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق رمضان أيام رمض الحر وشدته فسمي به ، ثم كثر استعمالها في الأهلة وإن لم توافق ذلك الزمان. ويقال : إن أول من سماها بهذه الأسماء كلاب بن مرة من قريش وكان اسم رمضان في الجاهلية : الناتق أو الناطل من الناقة ، الناتق أي كثيرة الولادة ، أو من الناطل وهو كيل السوائل . ولكن يلاحظ أن الفلكيين يقولون : إن التسمية الجديدة للشهور وقعت في الخريف ، وهو ليس شديد الحر. ويرى بعضهم أنه مأخوذ من رمض الصائم ، وهو حر جوفه من شدة العطش ، أو لأنه يرمض الذنوب : أي يحرقها بالأعمال الصالحة من الإرماض وهو الإحراق ، وقيل : لأن القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة والتفكر في أمر الآخرة ، كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس. وقيل : هو من رمضة النصل أرمضه رمضا ، إذا دققته بين حجرين ليرق : سمي بذلك لأنه شهر مشقة يذكر الصائمين بما يقاسيه أهل النار فيها . وقيل : لأنهم كانوا يرمضون أسلحتهم فيه (يرققونها) ليحاربوا بها في شوال قبل دخول الأشهر الحرم .

· رمضان فى ذاكرة التاريخ :

فرض الله تعالى الصيام على المسلمين فى السنة الثانية للهجرة ونزلت الكتب السماوية على أنبياء الله فى رمضان فقد أُنزلت صحف إبراهيم فى أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان على الأرجح ، وفى السنة الثانية من الهجرة فى 17 رمضان كانت غزوة بدر الكبرى وفى رمضان سنة 4 هجرية تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت خزيمة بن الحارث وفى رمضان 8 هجرية كان فتح مكة وفى رمضان 9 هجرية كانت غزوة تبوك وفى رمضان 10 هجرية توفت السيدة خديجة رضى الله عنها وأبو طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم ، كما كانت وفاة كل من ابنته فاطمه وزوجته عائشة وعلى بن أبى طالب وعمرو بن العاص ، وفى رمضان 53 هجرية فتح العرب جزيرة رودس ثم فتحوا الأندلس فى رمضان 91 هجرية وفى رمضان 129 هجرية ظهرت دعوة بنى العباس فى خراسان وفى رمضان 132 هجرية سقطت الدولة الأموية وقامت الدولة العباسية وفى رمضان 361 هجرية تم بناء الجامع الأزهر فى القاهرة وفى رمضان 584 هجرية قاتل صلاح الدين الأيوبى الصليبيين وفى رمضان 648 هجرية كانت معركة المنصورة وأسر لويس التاسع وفى رمضان 658 هجرية انتصر المسلمون بقيادة قطز على التتار فى عين جالوت وأخيرا فى رمضان 1393 هجرية انتصرت القوات المصرية والسورية على إسرائيل فى حرب أكتوبر المجيدة .

· رمضان شهر بر وإنفاق :

وُصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه أجود الناس ولكنه كان فى رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة ، لا يُسأل عن شيء إلا أعطاه ، ومن أهم من اهتموا بموائد رمضان والإنفاق على الفقراء ، أحمد بن طولون الذى جمع أعيان القاهرة فى أول شهر رمضان فى قصره وبعد أن أكلوا وشربوا خطب فيهم قائلا : ( إنى لم أجمعكم حول هذه الأسمطة إلا لأعلمكم طريق البر بالناس وأنا أعلم أنكم لستم فى حاجة إلى ما أعده لكم من طعام وشراب ولكن وجدتكم قد أغفلتم ما أحببتكم أن تفهموه من واجب البر عليكم فى رمضان ولذلك فإنى آمركم من الآن أن تفتحوا بيوتكم وتمدوا موائدكم وتهيئوها بأحسن ما ترغبونه لأنفسكم فيتذوقها الفقير والمحروم .. ) .

· المسحراتى :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تسحروا فإن فى السحور بركة " وفد بدأت شخصية المسحراتى منذ عهد رسولنا الكريم فقد كان ابن أم مكتوم يؤذن حتى يمتنع الناس عن الطعام ، وفى مصر كان الوالى عتبة بن اسحق عام 238 هجرية يخرج من منزله فى مدينة العسكر إلى جامع الفسطاط ماشيا وكان فى طريقه يصيح مناديا على الناس بالسحور ، وكانت شخصية المسحراتى من أجمل معالم شهر رمضان وكانت طائفة المُسحرين تتفنن فى الأناشيد والأزجال وفيها وعظ وحث على الصيام والقيام والتوبة بالإضافة إلى الدعوة لتناول السحور ، ولم يكن التسحير مقصورا على الرجال ، بل كانت النساء تشارك فيه وقد وصف الشيخ زين الدين بن الوردى إحدى المُسحرات بقوله :

( عجبتُ فى رمضان من مُسحرة

بديعة الحسن إلا أنها ابتدعت

قامت تسحرنا ليلا فقلت لها

كيف السحور وهذى الشمس قد طلعت )

أى أنها جميلة كالشمس .. ومن أروع ما كتب عن المسحراتى بالطبع هو ما كتبه الرائع فؤاد حداد فى ديوانه المسحراتى واستمعنا له بصوت الشيخ سيد مكاوى وآخرين ..

· فانوس رمضان :

لفانوس رمضان قصة طريفة يرجع تاريخها إلى عصر الفاطميين ففى يوم الثلاثاء الخامس من رمضان 362 هجرية دخل الخليفة المعز لدين الله الفاطمى مصر قادما من المغرب وكان دخوله إليها ليلا فى موكب كبير ، فخرج الأهالى لاستقباله واحتشدت جموعهم على الطريق وفى أيديهم الشموع الكبيرة والمشاعل والفوانيس لإضاءة الطريق حيث سيمر الخليفة إلى قصره ، ومنذ ذلك التاريخ بدأت فكرة الفوانيس ترتبط برمضان وكان الأطفال يحلو لهم أن يمسكوا الفوانيس لينيروا الطريق أمام أهاليهم وقت خروجهم ليلا إلى المساجد وكان فانوس رمضان موضع منافسة بين الأدباء والشعراء يتنافسون فى وصفه بخيال رائع .

· نوادر رمضانية :
جاء رجل إلى فقيه ، فقال: أفطرت يوماً في رمضان ، فقال: اقض يوماً مكانه ، قال: قضيت وأتيت أهلي ، وقد عملوا مأمونية ، فسبقتني يدي إليها ، فأكلت منها ، فقال: اقض يوماً آخر مكانه ، قال: قضيت ، وأتيت أهلى وقد عملوا هريسة ، فسبقتني يدي إليها ، فقال: أرى ألا تصوم إلا ويدك مغلولة إلى عنقك .
ومنه أن شاعرا دخل على رجل بخيل فامتقع وجه البخيل وظهر عليه القلق والاضطراب وظن أن الشاعر سيأكل من طعامه في ذلك اليوم وإلا فانه سيهجوه . غيرأن الشاعر انتبه الى ما أصاب الرجل فترفق بحاله ولم يطعم من طعامه.. ومضى عنه وهو يقول :
تغير إذ دخلت عليه حتى فطنت
فقلت في عرض المقال
عليّ اليوم نذر من صيام
فأشرق وجهه مثل الهلال
ومنه أن ابن العميد علم أن قاضيا أفطر خطأ في أول رمضان.. وصام خطأ أيضا في أول أيام عيد الفطر.. فقال فيه :
يا قاضيا بات أعمى عن الهلال السعيد
أفطرت في رمضان وصمت في يوم عيد .
ويروى أن جماعة فيهم أنس بن مالك الصحابي حضروا لرؤية هلال رمضان وكان أنس قد قارب المائة فقال أنس : قد رأيته هو ذاك وجعل يشير إليه فلا يرونه ! وكان إياس القاضي حاضرا ـ وهو من الذكاء والفراسة ـ فنظر إلى أنس وإذا شعرة بيضاء من حاجبه قد تدلت فوق عينه! فمسحها وسواها بحاجبه ثم قال انظر أبا حمزة فجعل ينظر ويقول : لا أراه .
واجتمع الناس ليلة لرؤية الهلال فكانوا يحدقون في الأفق ولا يرون شيئا فصاح رجل من بينهم لقد رأيته! لقد رأيته! فتعجب الناس من قوة إبصاره وهتفوا : كيف أمكنك أن تراه دوننا فطرب الرجل لهذا الثناء وصاح : وهذا هلال آخر بجواره ! .

· أشهر حلويات رمضان :

من أشهر حلويات رمضان الكنافة والقطائف ومن العادات الموروثة أن للحلوى أثرا طيبا فى رد قوة الصائم إليه ، وقد بلغ من شهرة الكنافة والقطائف أن جلال الدين السيوطى جمع ما قيل عنها فى كتاب سماه ( منهل اللطائف فى الكنافة والقطائف ) ويذكر ابن فضل الله العمرى أن أول من اتخذها من العرب هو معاوية بن أبى سفيان وكان يأكلها فى السحور لأنه شكا إلى طبيبه الجوع فوصفها له . وهناك رواية أخرى تقول إن الكنافة صنعت خصيصا لسليمان بن عبد الملك الأموى ومما قيل فى الكنافة قول أبى الحسين الجزار المصرى :

سقى الله الكنافة بالقطر وجاد عليها سكر دائم الدر

وتبا لأوقات المخلل إنها تمر بلا نفع وتحسب من عمرى

ويقول شهاب الدين الهائم :

إليك اشتياقى يا كنافة زائد ومالى غناء عنك كلا ولا صبر

فلا زلت أكلى كل يوم وليلة ولا زال منهلا بجرمائك القطر

وفى القطائف يقول أبو هلال العسكرى :

كثيفة الحشو ولكنها رقيقة الجلد هوائية

رشت بماء الورد أعكافها منشورة الطى ومطوية

جاءت من السكر فضية وهى لدى الأذهان تبرية

وقمر الدين من أشهر حلويات رمضان وأصل اسمه أمر الدين نسبة إلى بلدته بالشاموقد اشتهرت بتحضيره من ثمار المشمش ثم تحور الاسم بعد ذلك على ألسنة الناس حتى صار قمر الدين وهو غنى بالحديد والأحماض العضوية والأملاح المعدنية وبفيتامينات أ ، ب ، ج والبروتينات والكربوهيدرات اللازمة للجسم .

· كعك العيد :

بدأ الشعب المصرى تقاليد صنع كعك العيد فى عصر الدولة الفاطمية ويقال إن الدولة الإخشيدية سبقت الدولة الفاطمية فى العناية بكعك العيد ويؤثر عن أبى بكر بن على المادرائى وزير الدولة الإخشيدية أنه عمل كعكا حشاه بالدنانير الذهبية أطلقوا عليه اسم ( افطن له ) وكان للفن دخل فى صناعة الكعك فعملت له القوالب المنقوشة والمكتوبة ومنها مجموعة فى متحف الفن الإسلامى فى مصر مكتوب على بعضها : كل هنيا ، كل واشكر مولاك ، بالشكر تدوم النعم .

( من قبل رمضان بجمعه الهرس دار فى الدار
شالوا الموبيليا و حطوا العفش بالمندار
بالمكنسه دور و بالفرشه سبع تدوار
صبح البلاط زى خد المزمزيل ناعم
و الشقه بصّت لهيلتون نفسه باستحقار
جابوا قمر دين و تين و زبيب و صنيبر
و مكسرات فى شكارات مقفولة بالميبر
فاضل فى شعبان تلات ايام يا شحيبر
راح تعملم ايه فى رمضان ابقوا تعالوا لنا
و الكل بات فى حسابات تلخم يهود خيبر
رمضان دخل .. كل عام و انتم بخير قالوا
مشاوير كتير مشوروا و اتحطوا و اتشالوا
علشان كنافة ( ميدان الست ) و احتالوا
حتى الولد لما راح و اتهربد القفطان
اضطر ينزل معاه البيه يجيبهاله
و من حوارى ( الحسين ) راحو اشتروا الطرشى
خيار و لفت و بصل و لمون قديم محشى
فوق البوفيه رصّوا برطماناته و لا ساعشى
أَحمر و بنى و بمبه و عنبرى و اصفر
و يومين يا دوبك ده كله يروح ما يرجعشى
السمن نازل يرفّ ... و كانوا جايبين كوم
و البيت معبأَ بريحه قلى طول اليوم
فيشاوى بالليل و من بدء النهار النوم
و لا شغله و لا مشغلة غير بس ( يا وحو ى )
و الكل فاطرين يا عينى و لم لهم فى الصوم .) شعر صلاح جاهين .

الثلاثاء، 19 أغسطس 2008

رسائل من القلب


( رسائل من القلب )


رغم أن الدنيا بخيلة غالبا بلحظات السعادة إلا أنها منحتنى أحيانا أشياء جميلة غالية هى من بين الأشياء التى ترفض أن تموت .. ومن أهم هذه الأشياء علاقتى بإنسانة غالية سأسميها هالة شريف وهى بطلة المشهد التمثيلى المنشور بالأسفل والمعنون بأحلام وردية .. كانت فى المرحلة الثانوية عندما قرأت أعمالى الأدبية المنشورة وقتها وطلبت مراسلتى فاعتذرت لها لأننى كنت أكبرها بست سنوات وأحسست فارقا فى مستوى النضج الفكرى ، أرسلت هى لى خطابا حزينا آسفا جعلنا نتفق على المحاولة ، وأسفرت المحاولة عن علاقة إنسانية راقية نادرة بكل المقاييس استمرت سنوات طويلة جدا وتخللها مئات الرسائل المتبادلة - طوال عشر سنوات - التى تستحق النشر بلا مبالغة ، كنا توأمين حقا فى كل شيء ولم يتطور الأمر إلى علاقة عاطفية فينتهى كل شيء ، بل لقد كان كل منا بجوار الآخر فى مشاكل زواجه .. حضرت زفافى وزارتنا مرتين فى المنصورة وأحبت زوجتى وطفلى عمر ، وكان حظها بالغ السوء فرغم أنها تربت فى القاهرة إلا أن أهلها سامحهم الله كانوا من الصعيد وزوجوها رغما عنها وقيدوها وحملوها عنوة إلى هناك وأمسكوا يدها بالقوة لتوقع على عقد الزواج أمام المأذون المجرم الذى شاركهم الجريمة الكاملة وكل هذا لأنها فقط موعودة لابن خالتها العزيز .. وحدثت مفاجأة غريبة فى صالحها أدت إلى نجاتها من الزواج الباطل بعد شهر واحد فتطلقت وأصيبت بأزمة نفسية رهيبة استمرت فى العلاج النفسى منها مدة طوية .. تشاركنا الآمال والآلام طويلا وفكرنا بالفعل فى نشر بعض رسائلنا لكننا اكتفينا بنشر( أحلام وردية ) فى سلسلة كوكتيل 2000 للدكتور نبيل فاروق الذى كان أول من نشر لى .. تخيلنا ذات مرة أن مراسلتنا ستمتد عشرات السنين فكتبت لى خطابا متخيلا فى عام 2022 ورددت عليه ورحنا نحلم أن كلا منا تزوج من اختاره وأقمنا جميعا فى نفس المكان فى مدينة الأحلام وظللنا نتراسل رغم أننا جيران .. حماقة ربما كانت ، فأخبارها منقطعة عنى الآن منذ عامين بسبب ظروف تخصها وأدعو الله أن تكون بخير وأن تقع مصادفة على مدونتى وتقرأ رسالتها ورسالتى بخط أيدينا .. فتحية لها من القلب أينما كانت وإليكم رسائلنا من مدينة الأحلام :

· هذه رسالتها لى :

( عفوا إذا لم تكن الصورة واضحة فاضغط عليها كليك يسار للتكبير ، أو كليك يمين واحفظها كصورة على جهازك لقراءة أسهل أو حمّل الصور فى ملف pdf من هنا )





وهذا ردى عليها :


( أحلام وردية )


( أحلام وردية )         "مشهد تمثيلى"

"بطولة/ هالة شريف .. تأليف وإخراج/ إيهاب رضوان"

المكان أسيوط .. الوقت مساء .. تجلس على السرير فى الحجرة بمفردها وقد أطفأت الأنوار وأخذت تتحرك على أطراف أصابعها ، لإقناع الجميع بأنها نائمة ...

ضوء شحيح يتسلل من لمبة الجاز التى وضعتها أمامها ، وفى يديها خطاب مكتظ بالأوراق .. تكاد تدفس عينيها وزجاج نظارتها السميك فى الأوراق لتستطيع القراءة .. بين الحين والآخر تبتسم – ببلاهة لابد – وهى تعيد قراءة الخطاب الذى أوشكت أن تحفظه ... فجأة تدوى خبطات عالية على الباب ، فتهتف مذعورة: كبسة !! .. تطفئ اللمبة وتخفى الأوراق أسفل الوسادة وتندس أسفل الغطاء متظاهرة بالنوم ، ولا تنتبه إلى أنها نسيت مظروف الخطاب بجوار لمبة الجاز المطفأة .. تسمع صوت أمها من وراء الباب :

افتحى يا (هالة) .. أنا عارفة إنك صاحية ... تجر أقدامها عنوة وتفتح الباب وهى تتثاءب وتمسح عينيها وكأنها قامت من تاسع نومة .. تدخل أمها قائلة :

بلاش الحركات النص كم دى .. الحاج عاوز يتكلم معاكى .. اتفضل يا حاج .. "لابد أنه خالها أو عمها أو كبير العائلة" .. يتفضل الحاج ليسد الباب بجسده الضخم الشبيه بجسد (السيد بدير) ، محدثا بحركاته الثقيلة خللاً فى التيارات الهوائية بالحجرة ونقصاًحادا فى الأوكسجين .. تنحنى على يده لتقبلها بخشوع وهى تغمض عينيها عن النبوت الضخم الذى لا يفارق يده ، ويدور بينهما هذا الحوار ...

* أمك بتجول – يقصد بتقول – إنك عاصية تتجوزى .. صح الكلام ده ؟! ..

- والله العظيم يا خالو أنا عارفه إن (محمد) أحسن واحد فى الدنيا وده شرف كبير لى .. بس المسألة بعد إذن حضرتك يعنى .. إنى ما بحبوش ... يظل الحاج صامتاً بعض الوقت فتعتقد هى أنه يفكر فى حديثها ومنطقها ، بينما الحقيقة أنه يضرب أخماساً فى أسداس ليترجم حديثها الغامض بسبب لثغتها فى حرف الراء ، وعندما يستوعب ما قالته يرج الأرض بعصاه صارخاً :

* حب إيه يا مجصوفة الرجبة اللى عتتكلمى عنه .. والله ما بوظ دماغك غير الكلام الفارغ اللى بتتعلموه فى الجامعة وتسمعوه فى الفزيون .. "التليفزيون" ..

آنى جلت لأمك إنك مش نافعة من يوم ما لبستى البنطلونات .. جلت لها ما ينفعش معاكى غير النبوت ده يا جليلة الحيا ..

يتجه نحوها فتحول بينهما أمها وتهمس لابنتها ما معناه : اتلمى وخلى ليلتك تعدى ... يصرخ الحاج: * آنى جلت هتتجوزيه يعنى هتتجوزيه ... تتوارى خلف أمها بمنتهى الشجاعة وتنتحب هاتفة: هو الجواز بالعافية ؟ .. مش هاتجوزه واعملوا اللى تعملوه ...

تطولها يده الكريمة وترن الصفعة الهائلة على خدها بطريقة تؤكد أن الحاج مخبر شرطة عتيق .. تتدخل أمها قائلة : الصباح رباح يا حاج .. هى هتروح فين ... يهمان بالخروج والحاج يسب ويلعن خلفة البنات ، بينما تلمح أمها مظروف الخطاب وعندما تقرأ اسم المرسل ، تخبط صدرها بذهول قائلة :

يا نهارك زى وشك .. هو (الزفت) ده لسه بيراسلك .. يبقى هو اللى مبوظ دماغك .. (وتشدها من شعرها) .. فين الجواب يا قليلة الأدب .. (صفعة ثانية) .. يعثرون على الخطاب وتكون ليلة ليلاء ، تنعقد فيها محاكمة عسكرية وتتفرج فيها أمة "لا إله إلا الله" على (البنوتة) مكسورة الجناح ....

فى الصباح يطالعنا مشهد الساحة الواسعة أمام الدار ، بأشجارها العتيقة ونخيلها المثمر .. (هالة) مستلقية أرضاً وهى مقيدة بحبال متينة إلى جذع أقدم نخلة فى الساحة .. تبدو فى غاية الأناقة فى ثوب صعيدى أسود ، بعد أن أجبروها على تغيير البنطلون .. الثوب يخص إحدى عجائز العائلة حتماً ، لأنه واسع عليها جداً بشكل مضحك يجعلنا نتصور أنها ليست (هالة) .. ربما (أم السعد) مثلاً ، أى شيء من هذا القبيل .. عيناها متورمتان من البكاء ووجهها فى غاية الاحمرار .. الأصابع المطبوعة على خديها مثل ختم النسر ، تدل على أنه ليس مكياجاً بالطبع ، إنما آثار صفعات متتالية وضربات من (الشبشب أبو وردة) الخاص بـ (ستها الحاجة) ... فى البداية تستقبل كل هذا بلا مبالاة وصمود تحسد عليه ، ولكن عندما تتوسط شمس الصعيد كبد السماء بحرارتها الملتهبة وتصب نارها الحامية فوق رأسها بشعرها الحليق تماماً (نمرة1) ؛ عندئذ تعيد التفكير فى الأمر .. تدندن بحماس : "علمنى حبك عبارة سهلة وبسيطة وعفية .. شرط المحبة الجسارة شرع القلوب الوفية" ... يشتد بها الجوع وتنتحب عصافير بطنها ، بينما يتعمدون المرور أمامها بـ (صوانى المحمر والمشمر) ، فتبلع ريقها الجاف بشغف لكنهم يتجاهلونها تماماً فتعرف أنه ليس لديها أمل فى طعام أو شراب ، إلا أن تسقط تمرة شاردة من النخلة إلى فمها مباشرة ، أو تمطر السماء فى هذا الطقس الملتهب .. لكنها رغم ذلك تهتف بعناد طفولى: ولو ... المشكلة الحقيقية كانت فى الليل وعقدتها من الظلام .. لحسن الحظ لم تكن وحدها تماماً .. جيش من الفئران أخذ يحوم حولها مستعداً للهجوم ، بينما تستجمع هى قواها الخائرة لتطلق الصرخة المعتادة فى أى لحظة: إلحقونى ... الفئران تبدو مسالمة للغاية .. يتقدم فأر وفأرة إليها بتودد .. ترتعش عندما تحتك شواربهما السوداء بقدميها المتصلبتين .. رغم تقززها ورعبها الشديد ، لا تستطيع منع عينيها من متابعة قطعة الخبز الجاف التى تتلاعب بها الفأرة بأقدامها (النونو) كما أطلقت عليها .. هتفت بتوسل : حتة والنبى ... يمصمص الفأر شفتيه متعجباً من طمع البنى أدم الطفس الذى يريد مشاركة الفئران طعامها .. تكرر طلبها بـ (مسكنة) : أبوس إيدك .. حتة صغيرة .. فتفوتة بس .. ربنا يخليهم لك ... يتجاهل طلبها متسائلاً عما دفع بها إلى هذه الحال ، وعندما تخبره أنه بسبب الحب والزواج ، ينظر إلى الفأرة بمنتهى الوله مغمغماً: الحب !! .. يا سلام !! .. يتبادلان قبلة سريعة بينما تلعن هى الحب وسنينه الذى اضطرها للتذلل هكذا .. يخطر ببالها فجأة أن الفأر يستطيع أن يقرض بأسنانه الحبال التى تقيدها لكنه يكون قد غادرها جارياً بمرح خلف فأرته الحبيبة (جولييت) ... تهتف بسخط: استنى الله يخرب بيتك .. تستعير حقد (قاسم السماوى) وجملته الشهيرة: "جاتنا نيلة فى حظنا الهباب" .. حتى الفئران تحب .. هل ستكون أقل من هذه الحيوانات الضعيفة .. تحاول باستماتة فك قيودها ، وذلك المقطع من الأغنية يرن بأذنيها الكبيرتين: "شرط المحبة الجسارة شرع القلوب الوفية .. شرط المحبة الجسارة شرع القلوب الوفية".

الأحد، 3 أغسطس 2008

الرفيق متولى وفتاة المخابرات

( الرفيق متولى وفتاة المخابرات )

يبدو أنكم موعودون معى بالشخصيات الغرائبية ، فهذه شخصية عجيبة أخرى واقعية بعد حكاية ست الحزن .. كان ذلك فى المرحلة الثانوية ، كنت أتعاطى درسا خصوصيا فى الصف الثالث الثانوى مع الزملاء : وليد ، أيمن ، إيهاب سمير ، متولى ، وبنت واحدة لنسميها نشوى ..

كان الأولاد من زملائى بالمدرسة وكانت نشوى زميلة قديمة بأحد الدروس وكنت أعرف بعض أفراد عائلتها لأنها قريبة جيران أعزاء لنا .. انتهت السنة والتحقت بكلية التربية كما أردت دائما بقسم الرياضيات ، بينما جميع هؤلاء الزملاء بالمجموعة اتخذوا قرارا بتحسين المجموع وبالتالى استمرت نفس المجموعة فى الدرس ما عدا أنا .. كنت على صلة وثيقة بالزميلين أيمن وإيهاب سمير وكان متولى شخصية منطوية ، خجول جدا ومؤدب لدرجة الغيظ ، ملتزم ومجتهد ولكن ليس له أى علاقة بأى أحد كان .. بعد التحسين التحق متولى بكلية الصيدلة وذات يوم وجدته آتيا لى بالمنزل لأول مرة .. فاجأنى بالسؤال عن زميلتنا نشوى وأى كلية دخلتها وسألنى عن عنوانها ، قلت له إنها دخلت كلية التربية قسم اللغة الإنجليزية وإننى أراها أحيانا بالكلية ، لكننى ترددت فى إخباره بعنوانها لأن منظره كان غريبا جدا وهو يسأل ، وكنت أعرف أنه لا يسأل هذه الأسئلة لاهتمامه الخاص بها كفتاة ، فقلت له إننى بالفعل يمكننى معرفة عنوانها من أقاربها بجوارنا ولكن أحب أن أعرف السبب لأطمئن ..

قال إنه حاول معرفة عنوانها من الزملاء القدامى ولكنهم لم يعرفوا .. أصر على معرفة العنوان بشكل غير طبيعى وأصررت بدورى على معرفة السبب بشكل عام بلا تفاصيل .. فبدأ يتكلم ..

قال إنه يتعرض منذ أكثر من عام كامل لضغوط من المخابرات الإسرائيلية للقضاء عليه أو تجنيده لحسابهم !! .. كدت أضحك ضحكة عالية لكننى رأيت عينيه تلمعان والجدية تغلف كلامه ووجهه وكنت أعرف أنه لا يعرف المزاح أساسا .. قال إن نشوى عميلة للمخابرات الإسرائيلية وكانت تعمل على إغرائه بنفسها أثناء الدرس الخصوصى العام الماضى وإنه يعرف جيدا أنها مصابة بالإيدز وهى مجندة لنقله بين الشباب ... أدركت على الفور أنه مريض نفسى وفى مرحلة متأخرة ربما .. لابد أن نشوى أخطأت وقالت له يوما صباح الخير فاعتقد أنها هكذا تحاول إغراءه .. قال إنه أهانها بألفاظ قاسية أمام الزملاء ولكنها لم ترتدع وبعد التحاقه بالكلية تعرض لضغوط شديدة من الأساتذة الذين هم بدورهم أعضاء فى الشبكة الجهنمية الموكل إليها تجنيده أو تدميره .. أخذ يذكر لى أمثلة من هذا الاضطهاد ، كالدرجات المتدنية التى يأخذها وفى معاملة الأساتذة السيئة له تحديدا ، بل إنه يشعر أنهم - الأعداء - استطاعوا الوصول إلى طعامه ومنزله فالطعام مختلف المذاق وهناك أشياء تختفى من المنزل بطريقة غريبة .. بل إن الأمر وصل لدرجة تهديده فى الإذاعة علنيا بعد تعرضه لحادث تصادم مدبر ، فقد استمع إلى إذاعة إسرائيل بعدها فوجدهم يشيرون إلى الحادث وهم يراقبونه باستمرار أثناء السير وقد تحمل كل هذه الضغوط بمفرده ولم يخبر أحدا ، ثم فكر فى الاتصال بالمخابرات المصرية لولا أنه لا يعرف كيفية الوصول إليها ، فتذكر نشوى وأنها كانت عميلة لهم ويريد موجهتها بكل هذا ليعرف منها ماذا يريدون منه ..

كيوسف وهبى هتفت : يا لالالى .. يا لالالى .. كيف وصل إلى هذه الدرجة من المرض لدرجة اختلال كل شيء هكذا ، وتصورت لو أننى أخبرته بعنوانها وذهب إليها وقال لها ما قاله لى .. لابد أننى لم أكن سأراه حيا بعدها أبدا ..

سألته أولا عن أحواله بالمنزل وأصدقائه وأحواله الاجتماعية وكانت الإجابة طبيعية .. وحدة بلا حدود وانعزال تام عن الأسرة والحياة .. أخذت أقنعه بعدم صحة كل هذه الأوهام وحدثته عن نشوى وعائلتها التى أعرفها جيدا وهى عائلة محترمة جدا وكذلك نشوى مؤدبة جدا ، صحيح هى لا ترتدى الحجاب ولكن هذا ليس دليلا على انحلالها كما يعتقد هو .. فقال إننى إذا كنت واثقا فيها هكذا فمن المحتمل ألا تكون هذه نشوى الحقيقية ولكنها جاسوسة شبيهة لها تم زرعها وسط العائلة دون أن تعرف .. من البديهى أننى كنت أريد شد شعرى مع كل كلمة يقولها لكننى تحملته لأنه كان مسكينا بالفعل ومحطم تماما .. قلت له إننى مع احترامى لشخصه الكريم لا يمكننى أن أصدق ولا أعرف كيف صدق هو أنه بهذه الدرجة من الأهمية حتى تبذل المخابرات الإسرائيلية كل هذا الجهد من أجله ووضحت له أن كل هذا بسبب انعزاله عن الجميع وربما عدم توفيقه فى عدة أمور فى وقت واحد وأن عليه نسيان كل هذا ومحاولة الاقتراب من شخص عزيز عليه والحديث معه وأننى على أتم استعداد للاستماع له دوما وإذا كان لا يثق فى أحد فيمكنه استشارة طبيب نفسى وحاولت أن أفهمه أننا جميعا نحتاج لأطباء نفسيين .. بالطبع لم يقتنع بحرف واحد وعاد يسألنى من جديد عن عنوان نشوى تلك الجاسوسة العتيدة ، فرفضت محذرا إياه من السؤال عنها وتركنى ومضى ..

بعدها بأيام قابلت زميلنا أيمن وقال لى إنه متعجب لأن متولى سأله بإلحاح عن منزل نشوى وكانت تسكن بجوار أيمن ..حكيت لأيمن ما قاله متولى وأقسمنا ألا نخبر أحدا آخر ، لكن زميلنا إيهاب سمير نجح فى استدراج متولى فى الحديث وعرف منه الموضوع ، فأصبحنا نحن الثلاثة نعرف .. أخبرنى أيمن أن متولى بدأ يسأل بعض الشباب من جيران نشوى عنها وعن سلوكها بالتحديد ، صحيح أنه لم يجرؤ على التفوه بحرف واحد مما قاله لنا لكن سؤاله عنها بهذه الطريقة كان يمكن أن يسبب له مشكلة كبرى .. اقترح أيمن أن نقول لأهل نشوى كل شيء ونتركهم يتصرفون معه وكانت المشكلة كيف يمكننا النطق بحرف واحد مما قاله الرفيق متولى عن ابنتهم .. والأهم أن رد فعلهم ليس مضمونا فربما لا يتفهمون مرضه ويكون رد فعلهم قاسيا .. حكى أيمن لوالده مستشيرا فاستدعانى ونصحنى أنا وأيمن بنسيان الموضوع تماما لأن التدخل فى أمر يخص سمعة فتاة ليس سهلا .. استمعنا له بصمت وتصنعنا الموافقة وأخذتنا الشهامة المجنونة إلى بيتها وأمام المنزل مباشرة جذبت أيمن بعيدا فى اللحظة الأخيرة .. هدانى الله أخيرا إلى التصرف السليم فذهبت مع أيمن وإيهاب سمير إلى عائلة متولى .. حمدنا الله أنه لم يكن فى المنزل ، وقدمنا لهم أنفسنا وحكينا لهم ونحن نؤكد أن متولى أخ عزيز لنا ونحرص على سلامته ومصلحته ولهذا جئنا .. شعرنا أنهم سيقابلون متولى بالثورة عليه بدلا من الحديث الهادئ ومحاولة علاجه فأخذنا نوضح لهم ضرورة اللجوء إلى الحكمة والصبر معه وذكرنا أثناء حديثنا كلمة طبيب نفسى فظهر الاستنكار فى عيونهم .. حدثتنا والدته عن انعزاله وافتقاره للأصدقاء ، مع التزامه الدينى الصارم لدرجةالبقاء فى المسجد معظم الوقت ولدرجة أنه لا يشاهد من التليفزيون سوى البرامج التعليمية وإذا كانت امرأة هى التى تقدمها فإنه يغمض عينيه ويستمع إلى الشرح فقط !! ..

بعدها جاءنى متولى ساخطا على تصرفنا قائلا إننا كدنا أن نتسبب فى طرده من المنزل فعرفنا أن والديه ثارا عليه كما توقعنا ، وكانت هذه المرة الأخيرة التى رأيت فيها الرفيق متولى وبعدها بفترة قال لى أيمن إنه أصبح طبيعيا ونسى كل شيء ، أو على الأقل لم يعد يفكر فى السؤال عن نشوى أو عنوان المخابرات المصرية وبعدها بسنوات عرفت أنه ظل متعثرا فى دراسته الجامعية لكننى لم أره أبدا ولو مصادفة ، وإن كنت ظللت أذكره دوما فقد كان نموذجا لما يمكن أن يصل إليه الإنسان المنعزل فى هذا العالم الصاخب الذى لا يرحم .. تحياتى لك أيها الرفيق متولى أينما كنت .