عمر وباسل

Your pictures and fotos in a slideshow on MySpace, eBay, Facebook or your website!view all pictures of this slideshow

الأحد، 3 أغسطس 2008

الرفيق متولى وفتاة المخابرات

( الرفيق متولى وفتاة المخابرات )

يبدو أنكم موعودون معى بالشخصيات الغرائبية ، فهذه شخصية عجيبة أخرى واقعية بعد حكاية ست الحزن .. كان ذلك فى المرحلة الثانوية ، كنت أتعاطى درسا خصوصيا فى الصف الثالث الثانوى مع الزملاء : وليد ، أيمن ، إيهاب سمير ، متولى ، وبنت واحدة لنسميها نشوى ..

كان الأولاد من زملائى بالمدرسة وكانت نشوى زميلة قديمة بأحد الدروس وكنت أعرف بعض أفراد عائلتها لأنها قريبة جيران أعزاء لنا .. انتهت السنة والتحقت بكلية التربية كما أردت دائما بقسم الرياضيات ، بينما جميع هؤلاء الزملاء بالمجموعة اتخذوا قرارا بتحسين المجموع وبالتالى استمرت نفس المجموعة فى الدرس ما عدا أنا .. كنت على صلة وثيقة بالزميلين أيمن وإيهاب سمير وكان متولى شخصية منطوية ، خجول جدا ومؤدب لدرجة الغيظ ، ملتزم ومجتهد ولكن ليس له أى علاقة بأى أحد كان .. بعد التحسين التحق متولى بكلية الصيدلة وذات يوم وجدته آتيا لى بالمنزل لأول مرة .. فاجأنى بالسؤال عن زميلتنا نشوى وأى كلية دخلتها وسألنى عن عنوانها ، قلت له إنها دخلت كلية التربية قسم اللغة الإنجليزية وإننى أراها أحيانا بالكلية ، لكننى ترددت فى إخباره بعنوانها لأن منظره كان غريبا جدا وهو يسأل ، وكنت أعرف أنه لا يسأل هذه الأسئلة لاهتمامه الخاص بها كفتاة ، فقلت له إننى بالفعل يمكننى معرفة عنوانها من أقاربها بجوارنا ولكن أحب أن أعرف السبب لأطمئن ..

قال إنه حاول معرفة عنوانها من الزملاء القدامى ولكنهم لم يعرفوا .. أصر على معرفة العنوان بشكل غير طبيعى وأصررت بدورى على معرفة السبب بشكل عام بلا تفاصيل .. فبدأ يتكلم ..

قال إنه يتعرض منذ أكثر من عام كامل لضغوط من المخابرات الإسرائيلية للقضاء عليه أو تجنيده لحسابهم !! .. كدت أضحك ضحكة عالية لكننى رأيت عينيه تلمعان والجدية تغلف كلامه ووجهه وكنت أعرف أنه لا يعرف المزاح أساسا .. قال إن نشوى عميلة للمخابرات الإسرائيلية وكانت تعمل على إغرائه بنفسها أثناء الدرس الخصوصى العام الماضى وإنه يعرف جيدا أنها مصابة بالإيدز وهى مجندة لنقله بين الشباب ... أدركت على الفور أنه مريض نفسى وفى مرحلة متأخرة ربما .. لابد أن نشوى أخطأت وقالت له يوما صباح الخير فاعتقد أنها هكذا تحاول إغراءه .. قال إنه أهانها بألفاظ قاسية أمام الزملاء ولكنها لم ترتدع وبعد التحاقه بالكلية تعرض لضغوط شديدة من الأساتذة الذين هم بدورهم أعضاء فى الشبكة الجهنمية الموكل إليها تجنيده أو تدميره .. أخذ يذكر لى أمثلة من هذا الاضطهاد ، كالدرجات المتدنية التى يأخذها وفى معاملة الأساتذة السيئة له تحديدا ، بل إنه يشعر أنهم - الأعداء - استطاعوا الوصول إلى طعامه ومنزله فالطعام مختلف المذاق وهناك أشياء تختفى من المنزل بطريقة غريبة .. بل إن الأمر وصل لدرجة تهديده فى الإذاعة علنيا بعد تعرضه لحادث تصادم مدبر ، فقد استمع إلى إذاعة إسرائيل بعدها فوجدهم يشيرون إلى الحادث وهم يراقبونه باستمرار أثناء السير وقد تحمل كل هذه الضغوط بمفرده ولم يخبر أحدا ، ثم فكر فى الاتصال بالمخابرات المصرية لولا أنه لا يعرف كيفية الوصول إليها ، فتذكر نشوى وأنها كانت عميلة لهم ويريد موجهتها بكل هذا ليعرف منها ماذا يريدون منه ..

كيوسف وهبى هتفت : يا لالالى .. يا لالالى .. كيف وصل إلى هذه الدرجة من المرض لدرجة اختلال كل شيء هكذا ، وتصورت لو أننى أخبرته بعنوانها وذهب إليها وقال لها ما قاله لى .. لابد أننى لم أكن سأراه حيا بعدها أبدا ..

سألته أولا عن أحواله بالمنزل وأصدقائه وأحواله الاجتماعية وكانت الإجابة طبيعية .. وحدة بلا حدود وانعزال تام عن الأسرة والحياة .. أخذت أقنعه بعدم صحة كل هذه الأوهام وحدثته عن نشوى وعائلتها التى أعرفها جيدا وهى عائلة محترمة جدا وكذلك نشوى مؤدبة جدا ، صحيح هى لا ترتدى الحجاب ولكن هذا ليس دليلا على انحلالها كما يعتقد هو .. فقال إننى إذا كنت واثقا فيها هكذا فمن المحتمل ألا تكون هذه نشوى الحقيقية ولكنها جاسوسة شبيهة لها تم زرعها وسط العائلة دون أن تعرف .. من البديهى أننى كنت أريد شد شعرى مع كل كلمة يقولها لكننى تحملته لأنه كان مسكينا بالفعل ومحطم تماما .. قلت له إننى مع احترامى لشخصه الكريم لا يمكننى أن أصدق ولا أعرف كيف صدق هو أنه بهذه الدرجة من الأهمية حتى تبذل المخابرات الإسرائيلية كل هذا الجهد من أجله ووضحت له أن كل هذا بسبب انعزاله عن الجميع وربما عدم توفيقه فى عدة أمور فى وقت واحد وأن عليه نسيان كل هذا ومحاولة الاقتراب من شخص عزيز عليه والحديث معه وأننى على أتم استعداد للاستماع له دوما وإذا كان لا يثق فى أحد فيمكنه استشارة طبيب نفسى وحاولت أن أفهمه أننا جميعا نحتاج لأطباء نفسيين .. بالطبع لم يقتنع بحرف واحد وعاد يسألنى من جديد عن عنوان نشوى تلك الجاسوسة العتيدة ، فرفضت محذرا إياه من السؤال عنها وتركنى ومضى ..

بعدها بأيام قابلت زميلنا أيمن وقال لى إنه متعجب لأن متولى سأله بإلحاح عن منزل نشوى وكانت تسكن بجوار أيمن ..حكيت لأيمن ما قاله متولى وأقسمنا ألا نخبر أحدا آخر ، لكن زميلنا إيهاب سمير نجح فى استدراج متولى فى الحديث وعرف منه الموضوع ، فأصبحنا نحن الثلاثة نعرف .. أخبرنى أيمن أن متولى بدأ يسأل بعض الشباب من جيران نشوى عنها وعن سلوكها بالتحديد ، صحيح أنه لم يجرؤ على التفوه بحرف واحد مما قاله لنا لكن سؤاله عنها بهذه الطريقة كان يمكن أن يسبب له مشكلة كبرى .. اقترح أيمن أن نقول لأهل نشوى كل شيء ونتركهم يتصرفون معه وكانت المشكلة كيف يمكننا النطق بحرف واحد مما قاله الرفيق متولى عن ابنتهم .. والأهم أن رد فعلهم ليس مضمونا فربما لا يتفهمون مرضه ويكون رد فعلهم قاسيا .. حكى أيمن لوالده مستشيرا فاستدعانى ونصحنى أنا وأيمن بنسيان الموضوع تماما لأن التدخل فى أمر يخص سمعة فتاة ليس سهلا .. استمعنا له بصمت وتصنعنا الموافقة وأخذتنا الشهامة المجنونة إلى بيتها وأمام المنزل مباشرة جذبت أيمن بعيدا فى اللحظة الأخيرة .. هدانى الله أخيرا إلى التصرف السليم فذهبت مع أيمن وإيهاب سمير إلى عائلة متولى .. حمدنا الله أنه لم يكن فى المنزل ، وقدمنا لهم أنفسنا وحكينا لهم ونحن نؤكد أن متولى أخ عزيز لنا ونحرص على سلامته ومصلحته ولهذا جئنا .. شعرنا أنهم سيقابلون متولى بالثورة عليه بدلا من الحديث الهادئ ومحاولة علاجه فأخذنا نوضح لهم ضرورة اللجوء إلى الحكمة والصبر معه وذكرنا أثناء حديثنا كلمة طبيب نفسى فظهر الاستنكار فى عيونهم .. حدثتنا والدته عن انعزاله وافتقاره للأصدقاء ، مع التزامه الدينى الصارم لدرجةالبقاء فى المسجد معظم الوقت ولدرجة أنه لا يشاهد من التليفزيون سوى البرامج التعليمية وإذا كانت امرأة هى التى تقدمها فإنه يغمض عينيه ويستمع إلى الشرح فقط !! ..

بعدها جاءنى متولى ساخطا على تصرفنا قائلا إننا كدنا أن نتسبب فى طرده من المنزل فعرفنا أن والديه ثارا عليه كما توقعنا ، وكانت هذه المرة الأخيرة التى رأيت فيها الرفيق متولى وبعدها بفترة قال لى أيمن إنه أصبح طبيعيا ونسى كل شيء ، أو على الأقل لم يعد يفكر فى السؤال عن نشوى أو عنوان المخابرات المصرية وبعدها بسنوات عرفت أنه ظل متعثرا فى دراسته الجامعية لكننى لم أره أبدا ولو مصادفة ، وإن كنت ظللت أذكره دوما فقد كان نموذجا لما يمكن أن يصل إليه الإنسان المنعزل فى هذا العالم الصاخب الذى لا يرحم .. تحياتى لك أيها الرفيق متولى أينما كنت .

هناك 7 تعليقات:

سلوى يقول...

بعد عن عالمه الساكن
وصنع لنفسه عالم صاخب تحفه المخاطر
وليس هناك أخطر من عالم الجاسوسيه

ترى ماذا حدث له الآن ؟

سردك للواقعه جميل جدا

دمت بكل الخير

Ana يقول...

شكرا سلوى وفى انتظار تصفحك للمدونة كلها وتعليقك عليها .

Ahmed Othman يقول...

ا/ ايهاب
الاخ متولي
مريض بما يسمى paranoia
مريض كأي مريض
يحتاج منا الى مساعدته
و مد يد العون له
أسباب هذا المرض تتوافر لدى سواد الناس
فلا نستبعد أن يصاب به قريب أو عزيز
أو اننا أنفسنا نصاب به
هو بالفعل مستحق للشفقة و العون
تألمت له كثيرا
و علاجه يسير
متاح
ربما يعود بيننا شخصية طبيعية
ينتج و يعمل و يحيا حياته
المشكلة الوحيدة
بالثقافات الضحلة للأسر
التي ترفض التعامل مع الامر بالعلم
و مشكلة أخرى تحتاج إلى من يتبناها
و هو تغيير نظرة المجتمع للمريض النفسي
فهي نظرة سلبية منقوصة بكل المعايير

أتمنى أن أجد بين أعمالك المستقبلية ما يتبنى تلك القصية
فقلمك البارع قادر على تصوير معاناة هؤلاء
لأن يعانون مرتين
مرة في مرضهم
و مرة بعد الشفاء
من جراء مجتمع لا يرحم


تحياتي و تقديري

Ana يقول...

د. أحمد عثمان
سعيد بتواجدك وتحليلك ، هل الطب النفسى تخصصك؟

إيما يقول...

اسمح لي بتعليق لا يخص التدوينة ولكن فاجئتني بإضافتك لأبيات مريد البرغوثي الذي أعشق أشعاره وليس له من الشهرة ما يستحق للأسف .. كنت قد نشرت له بعض الأشعار في مدونتي من قبل وفكرت أن أكتب عنه أكثر من مرة لكن الكسل كالعادة :)
تحياتي لاختياراتك الرائعة

غير معرف يقول...

أول مرة أزور مدونتك .. أسلوبك القصصى أكثر من رائع .. بدون مجاملة

ولغتك رصينة .. تمسك بصهوة جوادها فى ثقة .. فتطوعها كيفما شئت ..

القصة فى حد ذاتها غريبة ..إن لم تكن مذهلة .. هل يمكن أن يشطح الخيال الى هذه الدرجة ..؟

وهل يمكن أن نعتبر الانعزاليين اما مبدعين .. أو تائهين؟

تحياتى للسرد الجميل

عاشــــــ النقاب ـقــــة"نونو" يقول...

السلام عليكم
يا خبر والله مش بعيد يكون فعلا محتاج لطبيب نفسي
بس برضه مش ممكن يكون كلامه كان صح ؟؟
طب أتأكدتم كويس ؟؟؟
ماهو اصل زمانا دة فيه الافظع من كدة ربنا يخرجنا منها بخير
اسلوبك رائع في السرد
بارك الله فيك
وكل عام وحضرتك بخير
وممكن ترفع تاكيد الكلمة من التعليق
تحياتي