
اتفقنا إذن على عدم اللقاء بعد أن عرضت علىّ البقاء معها فى الفندق لنتحدث .. كنت أثق أنها ستتصل بى ولن تلتزم بالاتفاق وكنت أشك أننى أيضا سألتزم .. فى صباح اليوم التالى اتصلت بى من الفندق وكنت أعرف أنها تتصل من الفندق لأن الاتصال يكون مصحوبا برنين موسيقى مميز .. ولما رد أحد غيرى وضعت السماعة .. مضى يومان أو ثلاثة ولم يتصل أحدنا بالآخر ..
اعتقدت أنها سافرت للقرية لإصلاح الأمور هناك ، اتصلت بها وسألت نفسى لماذا أتصل رغم اتفاقنا وكانت الإجابة أننى أتصل لأننى أود أن أتصل وأريد أن أراها وفقط .. اتصلت عدة مرات وتركت لها رسالة فى استقبال الفندق بسؤالى عنها عدة مرات .. تلزمنى الأمانة والحماقة أن أقول إننى ازددت قلقا وتوترا خلال هذه الأيام وكنت أجلس عند محمود صالح منتظرا دخولها فى أى لحظة .. فى ظهر أحد الأيام اتصلت بى من موبايل قالت إنه لأحد الأصدقاء وإنها تتصل من سيارته وتريد الحديث معى ربع ساعة فقط لارتباطها ببعض الأصدقاء وكانت ذاهبة إلى كنتاكى فاتفقنا على اللقاء هناك ، الطريف أن هذه الربع ساعة استمرت حتى الواحدة صباحا ... وجدتها تجلس هناك مع رجل قدمته لى : الأستاذ عبد الله من السعودية .. فتذكرت أننى حين سألت عنها فى الفندق سألنى موظف الاستقبال هل أنا الأستاذ عبد الله ؟ .. تركنا الرجل بمفردنا .. قالت إنها بعد آخر لقاء لنا كانت تسأل عن الرجل السعودى الذى أجرى معى المقابلة لتعطيه قصصى التى طلبها ، وكانت تعتقد خطأ أنه هذا المدعو عبد الله فتعرفت عليه وجلست معه بالفندق لأنها كانت فى أمسّ الحاجة لمن تتكلم معه وعرض عليها سى عبد الله أن ترافقه إلى الإسكندرية فذهبت معه وقضت هناك يومين ، بل قالت إنها ستعود إلى هناك الآن وتود أن أصحبها .. انفجرت فيها موبخا بعنف قائلا إن تصرفها هذ ا فى منتهى الاستهتار والتسيب وربما الانحلال ، فكيف تتعرف على أحدهم بهذه السرعة وتسافر وتجئ معه بهذه البساطة خاصة وهو ليس مصريا ولا تعرف كيف يفكر .. قالت إنه إنسان مهذب يعاملها بمنتهى الاحترام ، صحيح أنه سألها إن كانت توافق على الزواج برجل سعودى أم لا ولكنه يعاملها كأصدقاء .. أحسست بالقرف الشديد على وجه الدقة وشعرت أنها عادت لتتخبط من جديد ..
فجأة أبصرنا اثنين من أعضاء مجموعتنا القديمة يجلسان بالقرب منا وكانا من دفعة كريمة فقامت لتسلم عليهما وجلست معهما لمدة عشر دقائق وأنا أجلس بمفردى ولم تستأذن منى للتأخير ، قمت من مكانى منفعلا وألقيت عليهم السلام قائلا إننى سأرحل ... هرولت ورائى إلى الرصيف وهى تنادينى وتعتذر وتقول إن تصرفى هذا تصرف صبيانى يدل على غرورى ، فقلت إننى أعرف أنه تصرف صبيانى ولكنها هى التى دفعتنى إليه .. قالت أرأيت أن هناك من التصرفات ما تعرف أنها خاطئة ولكنك تفعلها إذا دُفعت لها دفعا ، فلماذا تلومنى على سفرى معه بعد أن تركتنى وحدى واتفقت معى على عدم اللقاء وأنت الوحيد الذى لى فى هذا العالم الآن ؟ ..
كانت مقارنة التصرفين غير معقولة طبعا فى نظرى .. دخلنا جزيرة الورد بحثا عن بقعة ظل وعدت للسخرية من سفرها معه فأكدت أنها سافرت معه فقط وأنها قضت الوقت هناك بمفردها وعادت لتؤنبنى على تركى لها فقلت لها إنها لو انتظرت لوجدتنى أتصل بها كما حدث .. قالت إنها مضطرة للعودة إلى الإسكندرية معه لأن حقائبها هناك لأنها تركت فندق مارشال .. قابلناه مرة أخرى وبينما كانت تتحدث معه فى السيارة فتحت ُ الباب وقلت لها انزلى .. تدخل هو فى الكلام وكدنا نتشاجر وأصابنى استياء شديد منها ومن الموقف كله فقد بدونا كما لو كنا نتشاجر عليها ، لكننى لم أرد أن أتركها تسافر معه مرة أخرى .. انتهى الموقف برحيله وهو يفتعل التهذيب والاعتذار .. قلت لها أن تتصل بالدليل لتحصل على رقم الفندق فى الإسكندرية وتخبرهم أنها ستبعث سائقا لأخذ حقائبها ونفذت ما قلته وقالت إنها تود الذهاب إلى محمود صالح لتستريح قليلا حتى يعود السائق بحقائبها لأنها تركت نقودها هناك أيضا وبالتالى لا تستطيع الذهاب إلى فندق الآن .. شتمتها بغضب عدة مرات على استهتارها المتزايد بتركها النقود أيضا وتحملتنى قائلة : أنا تعبانة قوى وبقالى 3 أيام مانمتش ..
كنت أعرف أن محمود صالح لا يود رؤيتها من الأساس فحاولت إثناءها عن الذهاب لكنها أصرت ..حكينا له الموقف وكان الضيق باديا عليه ونزلت هى للاتصال بالسائق فقال لى محمود إنه لا يود رؤيتها بالفعل ولا البقاء معها وسيخرج الآن لارتباطه بموعد ويتركها مع والدته ومعى ولن يعود الآن .. قلت إنها ستفهم هكذا أنه لا يود مساعدتها ولا رؤيتها فرفض الانتظار ونزل .. لم أجد حلا سوى أن أقترض لها نقودا بسرعة لأننى كنت مفلسا كالمعتاد ، لأحجز لها فى فندق آخر حتى يأتى السائق .. اقترضت من شقيقتى وكان الوقت مساء وأنا وهى ومحمود الذى ورطته هى فى مرافقتنا ، نبحث عن حجرة فى فندق ولا نجد بسبب ازدحام المدينة ليلتها ببعض الفرق الرياضية على ما أذكر ، بعد مجهود كبير عثرنا على حجرة فى فندق جزيرة الورد وكانت الساعة الثانية عشرة مساء ومحمود يكاد يموت من التعب والغيظ وأنا أستحلفه كل دقيقة ألا يقول لها شيئا .. أعطتنا رقم الفندق وقالت إنها ستتصل بى لترد النقود التى أخذتها منى .. أقسم محمود أنه لو رآها مرة أخرى فسينفجر فيها وكنت لا أزال أرى انفعاله زائدا وغير مناسب للموقف .. وكانت هذه آخر مرة يراها محمود .. بعد ظهر اليوم التالى اتصلت بى من الفندق وذهبت وأعطتنى النقود وكانت منهكة جدا جدا جسديا وعقليا ونفسيا ، تحدثنا عشر دقائق فقط وتركتها لتكمل النوم .. فى اليوم التالى ذهبت لها فقالت موظفة الفندق أنها تركت الفندق أمس ، تعجبت جدا واتصلت هى بعد ساعات تخبرنى بالفندق الجديد ، قالت إن مدير الفندق حاول التعرف عليها بطريقة سخيفة فتركت الفندق ، قلت إنها أصبحت كمن يقوم بدراسة عن الفندقة فى المنصورة وتمنيت ألا تترك الفندق الجديد أيضا ..
أبلغتها ما قاله محمود كما طلب منى واستاءت جدا ولم تفهم شيئا ولكنها قالت إنه سيظل غاليا عليها .. أخذت أعرض عليها طرقا للاتصال بعائلتها وإصلاح الأمور قبل سفرها فقالت إنها لا تتحمل أى ضغط وقالت إننى لا أعرف كل الضغوط التى تتعرض لها وأحسست أنها تخفى سرا ، وخمنت السر الرهيب هذا فيما بعد كما سيجئ ..
كانت قد اضطرت لتأجيل موعد السفر لتوثيق تنازلاتها لزوجها حتى تتسلم ورقة الطلاق وبالتالى نفدت نقودها وطلبت منى تدبير مبلغ لها ، كانت نقودى مع دخل الربيع فى المطرية وكنت سأتسلم مكافأة الامتحانات فى تلك الأيام وقد بدأت أجهز أثاث الشقة للزواج .. وعدتها أن أحضر لها النقود .. سافرت لدخل الربيع وحكيت لها عن كريمة ومقابلاتى معها ولكننى لم أذكر كل التفاصيل وقتها ولكن فيما بعد قرأت مذكراتى كاملة وعلمت كل شيء بالتفصيل الممل .. قلت لها إننى أقف بجوارها بحكم الواجب ولأنها عزيزة علىّ بالفعل ولكننى لم أعد أحبها .. أخذت أنظر إلى وجه دخل الربيع وأسرح فى الاثنتين ووجدتنى بتلقائية أشعر أننى أحب دخل الربيع ولا أحب ست الحزن ، هكذا شعرت ..
عدت وأعطيتها المبلغ المطلوب وعلقت قائلة إنه لشيء غريب أن تعود هى بعد سنوات لتأخذ جزءا من نقود جهازى لتسافر به وأكدت أنها سترسله لى بالبريد السريع فورا ..
فى اليوم التالى أرادت أن تشترى بعض الأشياء وكنت معها ، يومها كان لدىّ موعد مع بعض الأصدقاء فى الجامعة فذهبت معى .. تحدثنا يومها كثيرا جدا وكان يوما هادئا بلا انفعال .. حدثتنى عن حياتها هناك وعن ابنتها وعن رجل إيطالى مسلم تعرفت به هناك وأصبح لها فى مكانة د . عمر لنا جميعا .. فهو رجل ودود جدا وكبير فى السن ويعاملها كابنته وطلب منها أن تحضر له بعضا من تراب مصر وكمية من ماء النيل معها ..
فى اليوم التالى كان لقاؤنا الأخير فى الفندق من الرابعة عصرا حتى السادسة .. أخذت معى رباعيات صلاح جاهين ، الكتاب وشريط على الحجار ، وكانت قد طلبت الرباعيات منى لكثرة حديثى عن حبى لها .. حدثتنى مرة أخرى عن حياتها هناك وكانت لم تذكر خالها أبدا أثناء الحديث فقلت أنا إن خالها لابد هو الحسنة الوحيدة هناك فقالت إنه السيئة الوحيدة هناك .. قالت إنها ستحكى لى أشياء لم تذكرها لأحد ولا حتى د. عمر حين قابلته .. قالت إن خالها أشعرها أنها عبء عليه وووجدته شخصا آخر غير الذى عرفته ، رغم أنها حاليا تنفق على نفسها وعلى ابنتها ، قالت إنه يريد إخراجها من شقته التى تركها لها وحدثت بينهما الكثير من المشاكل التى بدا فيها أنه ليس إنسانا بالمرة وبعدها يتصرف كأنه لم يفعل شيئا .. فى ليلة ما كان فى الشقة وتشاجرا معا فقام بإخراجها من الشقة عند منتصف الليل فقامت بالبحث عن صديقها الإيطالى العجوز ليساعدها فوجدته مسافرا فقضت الليلة فى الشارع .. ياااااه .. لقد ارتجفت وأنا أتصور شعورها عندئذ .. لابد أنها شعرت أنها مطرودة من الدنيا كلها .. لابد أن قلبها وجسدها ظلا يرتجفان طوال الليل ..فى الصباح عادت إليه فقابلها كأنه لم يفعل شيئا .. كنت سأسألها أهو يشرب الخمر مثلا ، لكننى تراجعت ..
فى مرة أخرى أغلق عليها الشقة من الخارج ومعه المفتاح ، حاولت أن تخرج بدون فضيحة فقضت فى الشقة ثلاثة أيام محبوسة ، ثم اتصلت بالبواب بحيلة ما واتصل هو بالمطافئ وفتحوا لها الباب ..
ذهبت فورا لقسم الشرطة وروت للضابط الشاب ما حدث والذى قال لها أنها لو تقدمت بشكوى رسمية ضد خالها فسيكون عقابه صارما جدا لدرجة أنه يمكن ترحيله من البلاد ، قالت إنه خالها ولا تريد أن تصل الأمور بينهما إلى هذه الدرجة ، فارتدى الضابط الشاب ملابسه المدنية وذهب إلى خالها فى شقته الثانية وأحضره إلى القسم بهدوء وجعله يوقع تعهدا بعدم التعرض لها بعد أن شرح له العقوبة التى من الممكن أن يتعرض لها ... أخذت أتخيل شكل العلاقة بينهما بعد هذا الموقف .. لابد أن حياتها كانت هناك جحيما بالفعل .. وبدأت أتصور كم الضغوط التى كانت تلمح لها كل مرة والغريب أنها لم تصارحنى بها إلا فى اليوم الأخير يوم سفرها ..
قالت إنها تفكر جديا فى ترك ميلانو والهرب بعيدا عن خالها وإن الصديق الإيطالى فى سبيله للاتفاق لها على عمل بمستشفى فى سويسرا وإنها تنوى السفر إلى هناك بدون علمه .. نصحتها بالتريث وتساءلت هل تبحث بيدها عن الغربة والوحدة والفقد ؟ .. اقترحت عليها أن تعود إلى مصر وتتسلم عملها كمدرسة وتنفق على نفسها وابنتها حتى تحل مشاكلها مع أهلها وبالتأكيد سأقف بجانبها أنا ود. عمر .. لم تكن تعرف أن من حقها استرداد تعيينها كمدرسة بعد أن تركت التعيين لتسافر .. قالت إنها تخشى من أن خالها سيحاول إفساد أمر سفرها لسويسرا لو علم وإنها متأكدة أنها عندما تسافر فسيحاول إفساد علاقتها بأهلها أكثر وسيقول إنها هربت وتركته بعد اهتمامه بها .. اتفقنا أن تتصل بى بعد وصولها وأن ترسل لى النقود بالبريد السريع وأن أكتب لها أولا ثم تكتب لى .. أخذت ألح عليها لتوصيلها إلى المطاركما طلبت هى فى البداية فرفضت لأن وجودى سيمثل ضغطا على أعصابها لن تتحمله ولأنها تود الانفصال عن هنا تماما قبل العودة للتواءم مع ما ينتظرها هناك .. تذكرت أنها فى البداية توقعت أننى سألح عليها بمرافقتها وسترفض هى فى النهاية بعد أن كنت أنا الذى رفض فى البداية وتساءلت بينى وبين نفسى كيف خمنت هى هذا ولم أجد إجابة كالمعتاد مثل عشرات الأسئلة التى ظلت بلا إجابة ..
سألتها إذا كانت تحتاج شيئا وأكدت لها أننى بجانبها مدى الحياة بغض النظر عن مسمى علاقتنا واختلاف طرقنا فى الحياة ..
قالت إنها لم تعد تثق فى أى مخلوق فى الحياة ولكنها ستظل تعتبرنى استثناء من هذه القاعدة وأنها تعرف أننى سأظل مخلصا لها أبدا ..
تركتها على باب الفندق .. صافحتها بحرارة قائلا : لا إله إلا الله .. وردت : محمد رسول الله .. وكأنها بهذا كانت تنطق الشهادة قبل موتها فلم أرها بعد ذلك أبدا .. لعل البعض يتوقع أن الطائرة انفجرت مثلا .. كلا .. فالأسوأ دائما آت معها ..
مضى شهر كامل ولم تتصل ولم ترسل النقود .. كانت قد أعطتنى عنوانها ورقم تليفون الشقة ، اتصلت بها فلم يرد أحد .. بعثت خطابا فلم ترد .. اتصلت بى فجأة تعتذر بشدة وتقول إنها بعد وصولها بمدة قصيرة أصيبت بحمى وظلت فى المستشفى مدة طويلة جدا ، شعرت أنها ليست الحقيقة وأنها تتحرج من قول شيء .. بعدها لم تتصل ثانية ولم ترد على خطابى الآخر .. ظللت أحلل ما حدث مدة طويلة وأتذكر قولها أننى بعد سفرها سأعرف الحقيقة وهل كنت لا زلت أحبها أو لا .. وتذكرت أنها حكت لى قصة فيلم أجنبى يتشابه كثيرا مع قصتنا ، عن فتى وفتاة جمعتهما علاقة صداقة فى الظاهر ولا يدرك أى منهما حقيقة علاقة الحب القوية التى تربطهما ولذلك ارتبط كل منهما بشخص آخر وسارت الحياة بكل منهما فى طريق مختلف وعندئذ افتقد كل منهما الآخر وأدرك حقيقة مشاعره وفى النهاية يلتقيان من جديد ..
وبغض النظر عن كونى عرفت شيئا أو لا أو كونكم عرفتم أنتم أيضا أى شيء فالمهم أننا ليس أمامنا أى فرصة للقاء كأبطال ذلك الفيلم ..
بالصدفة كنت عند رفيق وكان يتحدث عن صديق له أو بلدياته مسافر إلى إيطاليا ، سألت رفيق هل من الممكن أن نعطيه العنوان ليسأل عنها ، وفعلنا ذلك وجاءنا الرد بعدم استدلاله عليها ولم أكن أعرف اسم خالها بالكامل فيئست .. ثم طلبت من د. عمر أن يسأل بعض البنات من نفس قريتها أو من زميلاتنا القدامى ففعل .. قيل إنها ماتت هناك فى حادث .. تصورت أن هذه إشاعة من أهلها لقطع سيرتها تماما ومحوها من محيط حياتهم ... بعدها قال لى محمود صالح إن هند زميلتنا القديمة قالت نفس الكلام وقالت كلاما غريبا يتردد فى القرية عن شيء غامض بينها وبين خالها .. وأكدت موتها .. تزوجت ومرت سنوات ، قابلت زميلا لى من دفعتى كان رئيس اتحاد الطلبة وصديق للأستاذ أحمد زوجها .. كنت لم أره منذ سنوات فجلسنا نتحدث كثيرا ونتذكر الأيام الخوالى ، جرنا الحديث عن الأدب والقصص وانقطاعى عن الكتابة للحديث عن الرفاق ولم يكن يعرف شيئا عن علاقتى بها ولكننى كنت أعرف أنه صديق زوجها فسألته عنها فقال إن زوجها سافر بالفعل إلى إيطاليا لاستلام ابنته من دار لرعاية الأطفال بعد موتها مقتولة وإن المتهم هو خالها المستقر حاليا فى السجن .. قال إن زوجها وجد ابنته مسجلة رسميا باسم الخال كما قالت هى لى من قبل لأنها لم تستطع نسب البنت لأبيها بسبب تعقيد الإجراءات لأنه خارج إيطاليا ، ففشل فى استعادتها وعاد والمفترض أنه سيسافر مرة أخرى لإحضارها واستلام تعويض مادى كبيرلم أعرف مصدره .. قال زميلى إن هذا الكلام سمعه من زوجها نفسه وعلم أنه سافر بالفعل وبالتالى فهو كلام نهائى .. لا أبالغ حين أقول إن ذهولى لم ينته حتى هذه اللحظة .. رحت أسترجع كلامها عن خالها وعن المغزى الواضح من كلامها عن اضطهاده لها ولكنى لم أفهم وقتها شيئا وأننى أحسست أنها تخفى شيئا تتحرج من قوله .. فهل حاول إجبارها على ........... على شيء وكان هذا سبب الخلاف .. لا أعرف ..
وإذا كان الأمر كذلك فكيف عادت ولماذا لم تحضر ابنتها معها لتستقر هنا .. وهل أهلها لا يعرفون الحقيقة وكيف من الأساس قست قلوبهم لهذه الدرجة المتوحشة .. وأى عذاب قاسته تلك المسكينة هناك .. استرجعت تناقضاتها والتصرفات التى أغضبتنى منها أثناء تواجدها معى ، ولم أجد شعورا بداخلى سوى الإشفاق اللانهائى عليها وعلى ابنتها مجهولة المصير حتى لحظة كتابة هذه السطور..
تساءلت بالطبع كيف كانت مشاعرى نحوها لكن الإجابة كانت مرعبة للغاية فى كل الأحوال بعد تلك النهاية المأساوية .. هربت من السؤال طويلا لكنها لم تكف بعد عن ملاحقتى أحيانا فى حلم عابر، أو خاطرمفزع برأسى ، هل لو كنت فعلت أنا غير ما فعلت كانت النهاية ستختلف .. لم أكن لأعصمها من الموت بالطبع ولكن ألم يكن من الجائز أن أقنعها بإحضار ابنتها والعودة .. وهل أخطأت أنا أيضا معها من البداية حين تركتها تتزوجه .. صحيح كنت أشك فى حبها لى ولكننى كنت أثق أنها ستفشل معه فهل أنا مذنب معها فى حق نفسها .. وابنتها .. هل عادت إلى مصر .. لم أحاول السؤال عنها وكأننى أخشى أن تكون الإجابة نعم فيتأكد الخبر أكثر مما تأكد .. ترى هل من الممكن أن أرى ابنتها ذات يوم .. فكرت مرة فى كتابة قصة قصيرة عن ابنتها وأننى سأجدها تلميذة فى أحد فصولى ذات يوم .. لكننى لم أكتب .. ظلت فكرة روايتى الأولى ست الحزن تراودنى كثيرا لكننى عجزت دوما ولا أعرف السبب الحقيقى ..
هه ما رأيكم دام فضلكم .. انتهت الحكاية ويا ليتها لم تنته .. ما أريده منكم إذا تكرمتم بالتعليق هو الدعاء لها كلما تذكرتم بأن يشملها الله برحمته الواسعة ومغفرته ويعوضها خيرا عما لاقته من حزن حتى أصبحت بحق ست الحزن .. آمين آمين .
( لا شيء يبدو علينا )
وحين يغيب الحبيب الغياب الأخير
وبعد البكاء المدوى
يجئ بكاء اليقين
هنا لا دموع ولا صوت
لا شيء يبدو علينا
كأنا نواصلُ
لكننا فجأة ربما بعد عام وعامين
أو فى شرود يباغتنا قرب مرآتنا
حيث موس الحلاقة فى كفنا
يتوقف فى صفحة الخدّ
ندرك أن أمرّ البكاء
البكاء الذى لا يُرى
وأنا
كلُّ ما فىّ يبكيك إلا عيونى .