عمر وباسل

Your pictures and fotos in a slideshow on MySpace, eBay, Facebook or your website!view all pictures of this slideshow

الأربعاء، 26 مارس 2008

مختارات شعرية ( 2 )


بمناسبة القمة العربية المرتقبة ، هذه قصيدة ( لا تصالح ) للشاعر أمل دنقل ، بلا تعليق :

(1)
لا تصالحْ!
ولو منحوك الذهبْ
أترى حين أفقأ عينيكَ
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!
(2)
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!
(3)
لا تصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك "اليمامة"
زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا-
بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:
تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
فأرفعها -وهي ضاحكةٌ-
فوق ظهر الجواد
ها هي الآن.. صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!
من أبٍ يتبسَّم في عرسها..
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)
ويشدُّوا العمامة..
لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد؟!
(4)
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت- الترف
(5)
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ
".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."
عندما يملأ الحق قلبك:
تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
-كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..
واروِ التراب المقدَّس..
واروِ أسلافَكَ الراقدين..
إلى أن تردَّ عليك العظام!
(6)
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع..
إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة!
(7)
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
كنت أغفر لو أنني متُّ..
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.
لم أكن غازيًا،
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: "انتبه"!
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً
ولكنه في الغصون اختبأ!
فجأةً:
ثقبتني قشعريرة بين ضعلين..
واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ
أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ
(8)
لا تصالحُ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا - بهجةُ الأهل -

صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف -
همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي -
الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ -
مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ
وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!
(9)
لا تصالحْ
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخْ
والرجال التي ملأتها الشروخْ
هؤلاء الذين يحبون طعم الثريدْ
وامتطاء العبيدْ
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخْ
لا تصالحْ
فليس سوى أن تريدْ
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيدْ
وسواك.. المسوخْ!
(10)
لا تصالحْ
لا تصالحْ

------------------------------------------------


السبت، 22 مارس 2008

طوابير قصة قصيرة




أحد الأصدقاء طلب منى الابتعاد عن القصص الحزينة ونشر بعض قصصى القصيرة المفرحة ، بحثت فوجدت هذه ، ثم اكتشفت أنها من نوع "ضحك البكاء" وترحمت على شهداء طوابير الخبز المصرية ..

---------------------

طوابير ( قصة قصيرة )
نصف ساعة كاملة ولم أتحرك من مكانى سوى خطوة واحدة للأمام وثلاث خطوات للخلف .. واستمر الحال هكذا .. موجة تدفعنى للأمام وأخرى ترتد بى للخلف .. خطر لى أن أبتعد قليلاً خارج الطابور لألتقط نفساً واحداً من الهواء قبل أن تتحطم رئتاى ، لكننى كنت واثقاً أننى لن أسترد مكانى .. تشاغلت بعد الواقفين أمامى .. واحد .. اثنان .. ثلاثة .. أربعون .. واحد وأربعون .. اثنان وأربعون .. وفجأة وجدتنى أخيراً أمام الشباك .. عندها ابتسم ابتسامة بلهاء وقال لى بلا مبالاة: "العيش خلص" .. رفعت يدى فى سرعة لكنه أسرع بإغلاق الشباك قبل أن ألكمه فى وجهه .. أخذت أدفع الشباك فى استماتة ، بينما اتجه آخرون نحو الباب ليحطموه.
- تمت -

الجمعة، 21 مارس 2008

ذكريات ( 2 ) ( يا مطرية يا )


" فى الصورة محمد محمود وأنا أوقع له فى دفتر التحضير بصفتى موجهه طبعا "

" فى الصورة فريق البؤس الإنسانى : محمد يحيى ، شريف الأباصيرى ، محمد محمود ، سامح فاروق ، عماد السعيد "

( يا مطرية يا )
" مهداة للصديق العزيز / عماد السعيد لأجل عينيه "

أوسعت الحكومة ووزارة التربية والتعليم سبابا ، حين جاء تعيينى مدرسا للرياضيات بمدينة المطرية بالدقهلية على بحيرة المنزلة .. حيث تبعد 80 كم عن المنصورة مما اضطرنى للإقامة هناك خمس سنوات كاملة .. كنت أعتبر هذه السنوات من أتعس أيام حياتى وقتها والآن حينما يدور شريط الذكريات ، أعرف تماما أنها كانت أسعد أيام العمر .. كنا حوالى 6 من دفعتى وانضم إلينا آخرون فيما بعد .. بحثنا عن شقة للإيجار فاكتشفنا أن أهالى المطرية الكرام يرفضون التأجير لأغراب عزاب مثلنا ، معظم سكان المطرية من الصيادين والتجار ونسبة التعليم ومستواه هناك منخفضة جدا وكثير من المتعلمات يتزوجن صيادين أو قهوجية ، عادى جدا ، لا يدخلون الأغراب مثلنا بيوتهم ، بل إنهم يتقابلون على القهاوى دائما ولا يدخلون بيوت بعضهم البعض .. المهم .. أقمنا فى حجرتين على سطح نادى المعلمين هناك ، 6 مدرسين فى كل حجرة ، ثم طردتنا الإدارة التعليمية لتنتفع بالمكان تجاريا وأصبحنا فى الشارع ..
قدت أنا وعماد ثورة عند وكيل الوزارة والمحافظ لتوفير مسكن لنا فقرر المحافظ بعد عذاب منحنا شقتين هناك .. فرحنا ولكن يا فرحة ما تمت ، وجدناهما مغلقتين منذ 10 سنوات بلا مرافق تقريبا والفئران مستوطنة فيهما .. أنفقنا من جيوبنا لإصلاحهما ، كان أول مرتب لنا 101 جنيه ، كنا أثرياء إذن لنصل بالشقتين إلى حد أنك تستطيع العيش بهما مغمض العينين والأنف .. عشنا أسبوعين بلا حمّام وكنا نستعمل حمّام المسجد المجاور أو محطة الأتوبيس .. الفئران تعودنا عليها شيئا فشيئا وأصبحت صديقة .. لنبدأ حفل الذكريات إذن :
1 - ( محمد محمود )
أخف أهل الأرض دما وأكثرهم مرحا ، مستواه فى الرياضيات كمستوى طالب فى الإعدادية على أكثر تقدير ، لكنه مدرس ناجح جدا بين الطلاب أو الطالبات على وجه الخصوص .. قد يحلو له السهر ليلا بينما الجميع نائمون فيحاول إيقاظ من معه فى الحجرة .. يوقد النور ويفتح الراديو ويغنى بصوت عال .. يتصنع الزملاء استمرارهم فى النوم عنادا لكنه يستمر .. يخبرهم بفكرة غريبة يريد تنفيذها الآن هى أن يحاول تكسير زجاج البلكونة بقبضة يده ، يراهنونه فيفعلها ببساطة .. - هه .. ارتحت يا محمد ؟ .. عايزين ننام بقى .
يتركهم إلى الصالة يجمع زبالة الشقى كلها وكثيرا من أكياس البلاستيك ويشعلها وسط الحجرة .. يهب الجميع والرائحة تخنقهم وهم يلعنون ويضحكون أيضا .. كنت معه نشترى العشاء ، كان يحمل كيسا بخمسة جنيهات به الفول والطعمية والخبز واللانشون وخلافه ، فجأة : - إيهاب .. اشمعنى أنا اللى شايل الكيس ، خد شيله انت .
- يا سلام يعنى هو تقيل قوى .
- ماليش دعوة ، هاتخده ولا أسيبه فى الشارع ؟
- انت حر
- هاسيبه والله بجد
- والله لوسبته واعتمدت إنى هاشيله ، ما أنا شايله .
ترك الكيس أرضا وابتعد مسرعا وأنا خلفه .. الناس على القهوة المقابلة ظنوا أنها قنبلة فى الكيس الذى تركناه مهرولين .. طول الطريق يقنعنى بأننى المخطئ وأنا أهدده بأن النقود ستخصم من حسابه وأن الزملاء فى الشقة سيضربونه وهو ولا هنا .. الغلابة فى الشقة عجزوا عن التصديق وهرول أحدهم ليحاول استعادة الكيس وطبعا لم يجده ، فاشترى غيره وعاد لنأكل معهم أنا ومحمد بكل بساطة ... نصف تلميذات المدرسة المراهقات أحببن محمد لشخصيته المرحه واختصاره لمادة الرياضيات على كيفه لتصبح سهلة .. كان يعطى درسا خصوصيا للبنت الأولى على المدرسة فى منزلها وذات ليلة سوداء أغلقت البنت الكتب فجأة وحدقت فى وجهه بهيام وألقت القنبلة : - محمد .. أنا باحبك .
أخذت تحدثه عن حبها وهو ينظر لباب الشقة وقد أحس أنها وأمها الأرملة أعدتا له كمينا .. أخذ يشرح لها استحالة الأمر وكل همه أن تتركه يخرج بسلام .. انتشر الخبر فى المدرسة : أستاذ محمد هيخطب منال وأمها موافقة ..
بعدها بأيام جاءنا الأستاذ كمال موجه الرياضيات إلى شقتنا مفزوعا للإشاعة التى تضخمت عن طريق أم البنت نفسها وتساءل عما إذا كان محمد بيحبها بجد ؟ .. شعر محمد برعب حقيقى من أن يجد نفسه مطالبا بإصلاح غلطته التى لم يفعلها عن طريق المأذون .. اشترى دبلة فضة وأعلن فى المدرسة خطبته لفتاة قريبته واشترى بعض الحلوى لزملائه لينشروا الخبر الذى أذيع فى الإذاعة المدرسية وشيئا فشيئا انتهت الشائعة .. مرة كنت أصلى بهم إماما فى الشقة وفجأة انفجر محمد ضاحكا بصوت عال وفشل فى كتم ضحكه فخرج من الصلاة ليواصل الضحك ، انتقلت العدوى للاثنين الآخرين فانفجرا بالضحك بلا سبب وخرجا أيضا وتركانى إماما بلا مصلين .. حاولت الضغط على نفسى لأكمل الصلاة وحيدا ، ولكن سمعته يحكى لهم سبب ضحكه أنه نظر إلى أصابع قدمى فوجدها طويلة جدا جدا فانفجر ضاحكا ، نظرت بتلقائية إلى أصابع قدمى وشعرت أنها طويلة بالفعل وكأننى لم أرها من قبل ، فلم أتمالك نفسى من الضحك وخرجت أنا أيضا من الصلاة ... محمد شخصية لا تنسى ، هل يمكنك أن تنسى شخصا أكلت من يديه البطاطس بقشرها لأنه كسّل يقشرها؟ .
------------------------------------
2 -( فايز )
- هو فايز صحا ولا لسة يا ولاد ؟
- لسة الحمد لله .
كنا نتسابق لدخول الحمّام قبل فايز فى الصباح ، لم نكن نعرف لماذا تنسد بلاعة الحمام بعد دخوله بالذات .. يصحو من النوم مرتديا ترنج له أغرب لون فى الدنيا ، لن أنساه .. البنطلون مرفوع على إحدى ساقيه ودائما واحدة فقط والله العظيم وبعد مأساة الحمام نكون قد أوشكنا على الانتهاء من الإفطار ، يجلس هو مقرفصا على قدميه كالمعتاد ، متسائلا :
- ما جبتوش جبنة شيلتون ليه ؟. حاولنا عشرات المرات إقناعه بأنها جبنة شيدر ولكن مافيش فايدة ..فايز كان مدرسا ممتازا وهو الآن فى الكويت .. تحياتى وأشواقى يا مستر شيلتون .
------------------------------------
3 - ( محمد يحيى )
طيب جدا ولكنه صامت بشكل ينقط ، قد تتحدث معه ساعة كاملة وهو يكتفى بهز رأسه .. مرة كان شريف الأباصيرى فوق السطح لتصليح إيريال التليفزيون وطلب من محمد يحيى أن يكلمه من النافذة ويخبره عندما تتحسن الصورة ، كنا مساء والدنيا كحل :
- كده كويس يا محمد يا يحيى ؟
- .....................................
- يا محمد سامعنى ؟ كده كويس ؟
- ....................................
- محمد .. إوعى تكون بتهز راسك يا محمد ؟! .. يا لهوتييييييييييييييييييييييي .
الحمد لله ربنا ستر ولم يقذف شريف بنفسه منتحرا وقتها .. محمد يحيى الآن فى المنصورة حوت صغير من حيتان الدروس الخصوصية .. واحشنى يا محمد والله .
-----------------------------------
4 - ( سامح فاروق )
مرات كثيرة فكرنا فى ذبحه وهو نائم ، ولكن كان ما ينقذه حفظه للقرآن وصوته الرائع فى تلاوته ..
- لو سمحت يا سامح اقفل الشباك اللى جنبك .
- ياااااه .. يعنى عايزنى لسة أتعدل وأرفع إيدى وأمدها ناحية الشباك واقفله .. قوم اقفله انت ..
هكذا كان كسولا أحيانا لدرجة الشلل .. كان صاروخ دروس خصوصية وكان دائم الشجار مع مدرسى المطرية بسبب الدروس .. يا ترى يا سامح عامل إيه فى السعودية وبتفتكر الأيام الجاز دى ؟
----------------------------------
5 - ( عماد السعيد )
- عارفين يا ولاد إيه أجمل حاجة فى الدنيا .. النوم .. ترتاح وتنسى همومك وتريح الناس منك .
هذه كانت فلسفته فى الحياة وكان يتمتع بمقدرة فائقة على النوم فى أى لحظة ويظل نائما حتى يوم القيامة العصر ، لو تركناه نائما .. كنت فى الحمّام ونادى علىّ : - إلحق يا إيهاب رامى عاوزك على الباب .
خرجت مسرعا وطبعا لم أجد رامى - أحب تلاميذى إلى قلبى - فبدأت معه تبادل المقالب ولما أردت إسكاته أغلقت الحجرة بالمفتاح مساء وحرمته من النوم وهذا أشنع عقاب بالنسبة له .
كان مثلى بارعا فى قول : لا .. كنا ثنائى الشر بالنسبة لمدير الإدارة هناك .. عماد قلبه أبيض بلون الحليب ، صفحة بيضاء مثل رأسه الأصلع تماما .. كان يدمن ميادة الحناوى فهو رومانسى بطبعه ، وقد اعترف لى ذات مرة أنه يحتفظ بمنديل من حبيبته الأولى كانت قد بصقت فيه ورمته فأخذه هو ، لكنه مع رومانسيته انفعالى أحيانا ولو ربنا بيحبك ما تكونش قدامه ساعة انفعاله .. من أكثرنا التزاما واحتراما ، هو الآن حوت كبير أيضا .. واحشنى يا عمدة .. ربنا يسلم لك سمير ابنك يا رب .
---------------------------------
6 - ( شريف الأباصيرى )
ابن بلد جدع ودمه شربات وحكم هوكى .. ضاقت الدنيا فى وجهه فلم يجد غير الهوكى ، أصابت عصا الهوكى عينه فأفسدتها .. كان يقول لى دوما :" - يا سلام يا بيبو لما أشوف ابتسامتك دى الصبح .. بأحس إن الدنيا لسة بخير طول ما انت فيها .." .. مش قلت لكم عينه راحت ..
صنع لنا شبكة سلة داخل حجرته وكنا نتبارى فى التصويب عليها بكرة الراكيت الصغيرة .. شريف هو قطعة السكر التى يظل طعمها الحلو على لسانك سنوات طويلة .
--------------------------------
7 - ( أشرف عبد الهادى )
لا تندهش لو فتشت جيوبه فوجدتها ممتلئة بحبات البطاطس ، فهو لا يكف عن الحديث عن أرض البطاطس التى يزرعها فى قريته وماكينة المياة وإخوته وأهله وحلمه بالزواج من بنت بيضاء كالحليب وأن يسافر إلى الكويت مثل كل أقاربه
ويشترى سيارة زلمكة يلف بها البلد .. سافرت يا أشرف وتزوجت ، يا ترى جبت الزلمكة يا جميل ؟.
-------------------------------
8 - ( محمد حمودة )
عبد السلام النابلسى بشحمه ولحمه .. هو بغباوته .. فاكرين لما كان عبد السلام النابلسى محبوس فى الأسانسير فى فيلم بين السما والأرض ؟ والناس كلها بتفكر فى الموت وهو مش همه غير ريحة الرجلين اللى شاممها ؟!..
كان محمد مقتنعا بأن السينما خسرت ممثلا عبقريا مثله وكانت أجمل لحظات حياتنا ونحن نلعب لعبة تمثيل الأفلام ونستمتع بمنظره التحفة وهو يمثل .. حركات يديه ومنظره وهو ب ( يتنك ) - من التناكة - أشياء لا تنسى .. كان يصلى فى الحجرة ودخل أحدنا يبحث عن أكواب الشاى ولم يحب أن يمر أمامه وهو يصلى ، فمدّ حمودة الشهم يده الكريمة وناوله الأكواب وأكمل صلاته بكل بساطة .. والله العظيم حصل .. محمد حمودة يا عظيم فين أيامك ؟ .
-------------------------------
9 - ( رضا شأمأ )
شأمأ !! .. بالذمة ده اسم يقابل بيه ربنا ؟ .. أكبر نصاب فى الدنيا ، يحاول إقناعك بالحقيبة السامسونايت ومذكرات الرياضيات التى يحملها دوما بأنه أنجح مدرس رياضيات ، كان لا يتورع عن معاكسة تلميذاته بجرأة منقطعة النظير ، وخدعنا مرة وأقنعنا أنه على علاقة ببنت الجيران وأنها رمت له جوابا به موعد للقائه ، كدنا نموت رعبا فأهل المطرية لا يعرفون التفاهم فى أمر كهذا إلا بالساطور ويكفى أن فوقنا المعلم سيد الجزار الذى كنا نخاف منه بالفعل .. لم يكن شأمأ مقيما معنا باستمرار بسبب مشاغله الهامة .. سلامات يا شأمأ .
-------------------------------
10 - ( فتحى )
العجيبة الثامنة من عجائب الدنيا هو .. مزيج من إسماعيل ياسين واللمبى .. بينما تتحدث معه يلقى قنبلة بين كلامه ، تذهلك ويهم هو بمتابعة الحديث بتلقائية لكنك تستوقفه :
- استنى يا عم بتقول إيه تانى ؟
- المعزة فقدت الذاكرة والله العظيم .
- وعرفت منين يا فكيك إنها فقدت الذاكرة ؟
- منظرها وتصرفاتها تعرف منها على طول إنها فقدت الذاكرة لما ضربتها .
ومرة أخرى قال : - فيه سؤال محيرنى يا رجالة من يوم ما جيت البلد دى .. كل يوم الصبح فى نفس الميعاد باسمع ( طور ) بينعر .. صوت نعيره بيوصل هنا ازاى ؟
وطبعا لم يكن أحدنا قد سمع صوت( الطور ) المزعوم ولما أصر فتحى على أقواله ، طلبنا منه أن يخبرنا عند سماعه .. اكتشفنا أنه صوت نفير اللانشات الكبيرة فى بحيرة المنزلة وكلنا نسمعه يوميا ، لكنه العبقرى الوحيد الذى عرف أنه صوت ( طور ) .. ومرة قال لزميله محمد الملا الذى كان يلعب ألعاب قوى وعضلاته مفتولة : - إلا يا محمد يا ملا ..لو جبت لك أردب غلة تقدر تسفه ؟ .. كان حديثه تلقائيا مذهلا وغاية فى السذاجة العبقرية التى تجعلك تحمد الله كثيرا على نعمة العقل .
---------------------------
11 - ( محمود الجوهرى )
- هو الجوهرى جه يا ولاد ؟
- لا .. لسة .
- الحمد لله .. يا ريت ما يجيش الأسبوع ده .
أو : - الأكل ده بتاع مين يا ولاد ؟
- ده نصيب الجوهرى .. يعنى ممكن تاكله عادى .
هذا باختصار شديد هو الجوهرى .
---------------------------------
12 - ( أنا )
صاحب أكبر عدد من المشاكل مع أولياء الأمور ومديرى الإدارة جميعا .. ربما لأننى كنت أقول : لا .. كثيرا ، وبسبب "لا" تم التحقيق معى من الإدارة التعليمية ووكيل الوزارة ومكتب الوزير شخصيا عشرات المرات ، بل لقد جاء أحد المخبرين وأخذنى من المدرسة إلى قسم الشرطة للتحقيق معى فى شكوى كيدية .. ولأن كل الشكاوى كانت كيدية فقد خرجت من المطرية سالما وملفى نظيف تماما .. كانت علاقاتى رائعة بالطلاب لأننى أحب التدريس للأسف ، لا يمكننى أن أنسى سلوان وجهاد وأسماء السحراوى وأسماء الأباصيرى وآمال منتصر ورامى ، ولا مديرى حسن القماش ومدير الإدارة الفظيع السيد سالم .. ولا سوزان فتاة المكتبة التى كنت معجبا بها وكتبت عنها قصة ، أبلة زينب وأبلة أمل حمدى والأخ الصديق الأستاذ على فهمى ، ثم السنة الأخيرة فى العصافرة وأهلها الطيبين وعلى زغلول والسمنودى وأسماء الشيخ ، صحيح أنهم ضحكوا علىّ فى النهاية بمشروب أصفر وزوجونى زميلتى التى أصبحت ( أم عمر )
لكننى قضيت فى العصافرة سنة سعيدة فعلا ..
الخلاصة حاول أن تستمتع بأيامك بحلوها ومرها ولا تصدق من يقول لك " بكرة أحلى من النهاردة " لا تفقد الأمل أيضا ولكن حاول أن تجعل أيامك الحالية مثمرة وانظر إلى نصف الكوب الممتليء .. يبدو أن الحديث طال أكثر من اللازم وهناك أشخاص لم أذكرهم .. ترى هل يمكن أن نجتمع يا رفاق ولو ليوم واحد نقضيه معا فى المطرية ؟ .. لا أعرف .. فلنكتفى إذن باستعادة شريط الذكريات .
--------------------------------------------------------------------

الأربعاء، 19 مارس 2008

كل سنة وأنت مش طيب يا باسل

" فى الصورة : عمر و باسل "


( كل سنة وأنت مش طيب يا باسل )

باسل .. سوف تكمل عامك الأول فى عيد الربيع .. حظك أننى حين جلست لأهنئك ، تذكرت مقالا لإبراهيم عيسى يتحدث فيه عن سلبيتنا فى كل شيء مدعين أننا نربى العيال ، فأصبحنا نمشى بجوار الحائط وأحيانا داخله زيادة فى الحرص .. ونردد دوما :
" عايزين نربى العيال " .. فهل حقا نربى العيال ؟.. فى هذا الزمن توشك التربية أن تنعدم ، بسبب الساقية التى ندور بها ليلا ونهارا لأجل لقمة العيش ، والإهمال ونقص الوعى وتفشى الفساد حول أطفالنا فى كل مكان .. غالبا يضيع العمر هباء فى محاولة " تربية العيال " .. وبفرض أن البعض ينجح فى تربية عياله ، فكيف هم ؟.. وما هى التربية الصالحة لهذه الدنيا الغريبة التى نحياها ؟.. بعد عشرين سنة مثلا كيف ستبدو الحياة وكيف سيتعامل معها أبناؤنا ؟.. وما هى القيم التى يجب أن نغرسها فيهم استعدادا لكل الأيام القاحلة الآتية ؟.. إذا نشأوا على خلق قويم ومبادئ رفيعة ، لن يتكيفوا مع الحياة ، سينعزلون ويصابون بالاكتئاب .. بعضهم سيقاوم فيعيش فى كبد مستمر ..
هل لا نزال نريد أولادنا طيبين ؟.. طيبين بمعنى سالمين من السوء ، نعم ..
ولكن طيبين بمعنى الطيبة والمثالية ، لا أثق ..
باسل .. بالطبع لأننى لا أزال أحمق فسوف أظل أحاول أن أقضى عمرى كله لجعلك طيبا بكل معانيها ومفرداتها .. بكل مُثُل الفرسان القدامى .. بالطبع سأحاول .. لكن لا تلمنى فى النهاية .. لا تلمنى إذا جعلتك طيبا .. ولا تلمنى لو تركت العنوان هكذا :
" كل سنة وأنت مش طيب يا باسل " .
- أبوك .

الاثنين، 10 مارس 2008

انفلات الروح قصة قصيرة

    ( انفلات الروح )

فى الغربة يصبح المرض جحيما ، يشتد فتشف الروح ويصفو الذهن .. هذه المرة كانت نوبة البرد الأسيوية قاسية ، والشفافية فى أوجها حتى صارت الروح غيمة شتوية رقراقة ، تحلق بى بين خيالات بعيدة ، تدمع لها العين وتنز منها كل جراح القلب القديمة .. الدموع لا تنهمر لتغسل الروح وينتهى الأمر ، إنما تنحبس ليطول الألم وتتشابك خيوط الذكريات أكثر ، محاوِلةً أن تكبل الروح المحلقة ، لكنها تنفلت ..

فى المساء أصبح عاجزا عن الحركة ، فأضطر للاتصال بأحد الزملاء ليحضر لى بعض الأقراص .. أجاهد لأفتح له الباب وما إن أرتمى على السرير مرة أخرى حتى أشير إلى جيب البنطلون ليأخذ نقود الدواء .. يأخذها ببساطة قاتلة قبل أن يسأل عما بى ويجلس ..

-  ما تجيب يا أخى حاجة نشربها .

هو الذى قالها ، فلم أكن قادرا على الكلام .. أشرت إلى الثلاجة فأخذ منها علبة العصير وناولنى مشكورا زجاجة المياه والأقراص ..

الروح الآن تشف أكثر وأكثر ، تصعد حتى تتجاوز عنان السماء .. ماذا لو أموت الآن ؟ .. نعم فى هذه اللحظة بالذات.. سوف يقلبنى مرتين يمينا ويسارا ثم يتصل بالشرطة بهدوئه المثير ، أثق أنه لن يستخدم تليفونه المحمول وإنما ستكون أنامله قادرة على أن تتحرك على أزرار تليفونى برقة مفزعة وهو يحوقل ويترحم علىّ ..

بعدها سيتصلون بخالى الذى أنعم علىّ بعقد العمل ، سيأتى سريعا وينتشر الخبر بين الأقارب هنا ، سيتعاون الجميع لوصول الجثمان سالما إلى مصر بأقصى سرعة ..

فى المطار سيكون أخى الأكبر دامعا .. سيكتمون الخبر عن أمى وزوجتى والأولاد حتى يصل الجثمان إلى البيت.. عندئذ يبدأ الكابوس الحقيقى ..

أفقت على صوت زميلى وهو يمسك الريموت قائلا :

- فين قنوات اللحمة الحمرا ؟

أخذ يتنقل بين الكليبات العارية وهو يهز ركبته اليمنى مع الصراخ المتصاعد .. هذه الميتة البائسة لا تليق بى .. أحد أصدقاء العمر فجرته قنبلة وحبيبتى الأولى ماتت مقتولة فى إيطاليا بعد هربها من زوجها إلى هناك .. أخذت أفكر فى أحلى طريقة للموت .. ستمهلنى الأيام حتى آخر العام .. أستقل الطائرة حالما باللحظة التى سيرتمى فيها طفلاى وزوجتى بأحضانى المستعدة لالتقامهم .. فجأة تنفجر الطائرة .. لا تكن سوداويا .. سيرتمون بأحضانى بالفعل وسيفلت ( عمر ) من أمه كالمعتاد ومن رجال أمن المطار ليكون أول الواصلين إلىّ داخل صالة الوصول ..

فى السيارة العائدة بنا سأضع رأسى المكدود على كتف زوجتى وتلفنى بذراعيها غير عابئة بالسائق ، سوف أسلم الروح عندئذ بهدوء .. نعم .. ذلك الشريان الضيق بالقلب الذى أهمله منذ سنوات والضغط المرتفع ، يؤهلاننى بجدارة لذلك .. ستظن هى أننى نائم ولن تكتشف الأمر إلا حين نصل إلى المنزل .. ياه .. أوحشونى كثيرا .. أوحشونى مووووت .. مرة أخرى موت ؟! .. أيها الأحمق لن تمنحك الدنيا البخيلة هذه الميتة الرومانتيكية أبدا ..

بدأت دموعى تنهمر ، فشددت الغطاء على رأسى متخفيا عن عينيه اللتين تحدقان فى الشاشة الجهنمية بشراهة .. من سيتولى تسديد ديونى من بعدى ؟ .. ديونى هناك لإخوتى ، سيتنازلون عنها ، لكن ديونى هنا لابد من ترتيب أمرها .. سأترك لخالى تفاصيلها لتصل الحقوق لأصحابها من الورثة ..

ماذا لو أموت فى المدرسة ؟ .. نعم .. أفضل وقت أثناء طابور الصباح والفناء ممتلئ .. لتكن اللحظة التى تسبق تحية العلم مباشرة .. السكون يسربل المكان والعيون تتطلع إلى سارية العلم التى سأقترب منها ويطاوعنى شريانى اللعين لينفجر وأنا أحتضن السارية ، ساقطا ليلفنى العلم.. ليس علم بلدى ، أعرف ، نحن أمة عربية واحدة كما تقول إذاعاتنا على أية حال .. ستحملنى سيارة الإسعاف سريعا ويكملون يومهم الدراسى بكل رتابته ولا جدواه ..

أنا متعب هكذا حتى فى الموت .. فلتدهسنى إذن سيارة يابانية فارهة .. ليكن قائدها أحد تلاميذى فى الصف مثلا ، دون العشرين من عمره ، يطير بها مخمورا كعادته .. ربما يلحظ بعد فوات الأوان أننى أستاذه فيحاول كبحها ، لكنها لن تأبه لأمثالى من الوافدين الأجانب كما يقولون .. غلبنى النوم وأفقت فلم أجد من زميلى سوى صوت التليفزيون المرتفع الذى لم يهتم بإغلاقه ..

فى الصباح بينما أرتدى ملابسى بصعوبة بالغة وأشنق رقبتى برباط العنق الذى يفرضونه علينا فى المدرسة ؛ أكون قد عرفت الميتة البشعة التى تدخرها الأيام لى .. ستتركنى لأحيا هنا – وحيدا – مزيدا من السنوات .. المدهش أننى فى هذه اللحظة بالذات ، مع تحطم الجسد وتصاعد اليأس إلى الحلق والروح ؛ وجدتها – روحى – تشف وتشف ولا تزال قادرة على التحليق بعيدا .. وجدتنى أتلمس يد  زوجتى لنطيرعاليا ، عاليا جدا .. كعادتنا صرنا غيمتين شتويتين مترعتين بالدمع ، راحتا تمطران .. تمطران بغزارة حتى أوسعتا العالم كله مطرا .

- تمت -

 

 

الأحد، 9 مارس 2008

عقلة الإصبع قصة قصيرة



( عقلة الإصبع ) قصة قصيرة

رآها .. ورغم أنها كانت هناك بعيدة .. بعيدة جدا , إلا أن قلبه أكد له أنها هي .. بخطوات واسعة لاهثة هرول تجاهها .. بعد فترة غير قصيرة من العدو تنبه إلى أنه وحده يتجه إليها , بينما هي ثابتة .. تسمر مكانه .. لحظات ورآها تسير نحوه في لهفة .. حين اقتربت منه تمنى لو يحقق أمنيته الأبدية : بعصا سحرية ما يقلصها في حجم عقلة الإصبع ويدخلها قلبه ويتركها تسري عبر شرايينه وأوردته ويظل يتنفسها طوال عمره ... أفاق من أمنيته مذعورا ليجدها قد تجاوزته .. ملتاعا يكتشف أنه يسير نحوها وتسير نحوه ولكن .. في طريقين متوازيين لا يلتقيان .
– تمت – إيهاب رضوان .

الجمعة، 7 مارس 2008

مكعبات قصة قصيرة


( مكعبات ) قصة قصيرة

كعادته كل مساء كان جالسا بالحجرة المغلقة وحيدا أمام المكعبات.. مرسوم على كل مكعب جزء صغير من صور عديدة..يضع المكعب بجوار الآخر وحين يكمل صورة ما بشكل سليم ؛ تلمع عيناه بالسعادة .. كعادته كل ليلة أيضا يبدأ أولا فى رسم البيت..يضع المكعبات الملونة بعضها فوق بعض و فى ثوان يكون صورة البيت.. يبتسم .. يرفع عينيه إلى صورة والده الراحل ، يحفر ملامحه فى ذهنه جيدا و يصف المكعبات بسرعة ليرسم رجلا يخيل إليه أن ملامحه نفس ملامح والده الحبيب .. يبتسم .. يرفع عينيه إلى صورة والدته التى غادرت الدنيا فى اللحظة التى جاء هو فيها.. بأصابع مرتعشة يمسك المكعبات.. يعلم أنه سيفشل مثل كل ليلة، لكنه يحاول .. ينظر إلى صورة والدته فى أمل.. تراها غضبت عليه لأنه كان سبب موتها؟.. تمتلئ عيناه بالدموع ويحاول من جديد لكنه يفشل.. المكعبات السخيفة تصر ألا تستجيب لأصابعه...
يحس فى هذه اللحظة كم هو خائب.. يترك المكعبات قليلا ويحدق فى اللاشيء .. يتذكر عمه - ضابط الجيش - الذى تولى تربيته.. فى تلقائية يضع كفه على خده الذى تلقى كثيرا من صفعات عمه القاسية.. يتلفت حوله فى قلق خشية أن يراه أحد.. حتى اللعب بالمكعبات محرم عليه.. يمسك المكعبات ثانية ليحاول تكوين صورة والدته ربما للمرة العشرين.. وبينما هو غارق وسط المكعبات ، ينفتح الباب.. ينظر إلى الواقف بالباب فى رعب.. يسمع صوته :"الله! بابا هو إنت اللى مش بتعرف تكون الصورة كل يوم؟!".. يتلعثم.. أخيرا ضبط متلبسا.. ببراءة سنواته الست يتقدم طفله.. "إيه رأيك كده يا سى بابا " ؟! .. ينقل بصره بين صورة والدته وبين الصورة التى صنعها طفله فى ثوان.. يحتضنه و ينفجر باكيا.. - تمت -
إيهاب رضوان ( نشرت بالأهرام المسائى )

الخميس، 6 مارس 2008

ودعه على الشاطئ

ودعه على الشاطئ


صديقى الفرعون ( رفيق ) أحد أهم فريق المبدعين المعتزلين القدامى ، فنان تشكيكى توقفت ريشته عن الإبداع ولكن لم يتوقف قلبه عن النبض بالفن و عشق الجمال وشقاوة الطفولة وأحلام الصبا وقليل من مرارة الأيام ..


" ( رفيق )


أما هذا الولد رفيق


ولد رسام من طيبة


ولتانيس كان أمير


يرسم واقعنا فى لوحة


فى منف ينفخ فى الكير


حتى تحترق الأحقاد


ويخر الهكسوس أسير


ويعود ليرسم خارطة


طاهرة بعد التحرير


يجلس فى الشرفة منتصرا


ويدندن أنغام " منير " " شعر : مجمود صالح


-----------------------------


هذه صورة أقرب لوحاته إلى قلبى ، ( ودعه على الشاطئ ) .. عندما تجد البحر والصدفة تعتقد أنها ودعة بالتاء وليست الهاء ولكن ما إن تتأمل اللوحة حتى تجد الودعة ليست ودعة ولا الصخور صخورا ، بل هى وجه وأيدى الحبيب الذى ودع حبيبه هنا وهذه عينه تذرف الدمع على الراحل الذى ودعه على الشاطئ والبحر هذا ليس بحرا عاديا ، إنه بحر من الدموع المسكوبة حزنا ولوعة على الحبيب الغائب ..تحس عندئذ أنها قصة وليست لوحة فتعاود النظر مرات ويحاول خيالك رسم التفاصيل إن لم تكن قد عشتها بالفعل ...


صديقى البعيد القريب ( رفيق ) : محبتى واحترامى .

السبت، 1 مارس 2008

مختارات شعرية 1


هذه أولى المختارات الشعرية المفضلة لدىّ ..
إنه الشاعر الرقيق عزت الطيرى فإلى عزفه المنفرد :
- حوار -
قالت الأم لابنتها
إنه شاعر .. شاعر
فهل يفتح الشعر بيتا ؟
وهل يدفع الشعر
أجر الطبيب
وفاتورة الكهرباء ؟
قالت البنت : يا أمُّ
هل يفتح المال بيتا
فأسكنه فى صقيع الشتاء ؟!
--------------------------------

- حرية -
بقيود من ورد وحرير
كبّلنى ..
وأنا أهمس فى خدر ونعاس
لا .. لا تطلقنى .
--------------------------------

- لكنه لن يعود -
ضيق وقته ، ضيق سرب أيامه
وعيناه واسعتان ، واسعتان سماواته
كان يقبض أحزانه ويقيد أشجانه
ثم يطلق أطياره فى الفضاء البعيد
من يُعيد الفتى يا صحاب ؟
من يعيد المحب الجسور لأحبابه ؟
من يعيد الغناء لعُرس البنات ؟
من يعيد الغزالات للسهل ؟
من يعيد الفراشات للحقل ؟
من يعيد الربيع لأشجاره ؟
من يعيد الفتى الفوضوىّ
لأمٍّ بكت وارتمت تحت أقدام آثاره ؟
لن يعود الفتى يا صحاب
ربما يشرب الآن قهوته فى مكان قصىّ
باحثا عن قمر وعن وجه طفل نقىّ
وعن فاتنات يقلن كلاما جميلا
وعن مستحيل شهى .. ربما ربما
ربما يشعر الآن أن الطريق الذى كاد
يسلك صعب ، وأن الممرات جدب
وأن الصديق احتفى بالعدو
وأن العدو احتفى بالصديق
وأن الطريق بعيد ، وأن البعيد بعيد
ربما ربما .. ولكنه لن يعود .. ولكنه لن يعود .
---------------------------------------

- التفاح -
فى صمت هربت ثمرات التفاح
من قفص البائع
وتسلقت الشجرة فى صخب
ضحك الشاعر واستلقى
وأتم قصيدته المنتظرة .
--------------------------------------

- حورية -
بعنابها ستمر الجميلة
مثقلة بهوى السوسنة
يحيط بها مطر من هديل
وتحرسها غيمة مثخنة
ويسبقها قمر بالحنين
يلون خطوتها اللينة
بعنابها وبلوز الجنون
بنار المسافات والأمكنة
ستمضى .. وترشق هذا الفتى
بحربة أهدابها الساخنة
وتوقظ فى مقلتيه الدموع
وتنكأ أحلامه الممكنة
وتدنيه من رحمات العيون
وتلمس من وجده مكمنه
وتطلق من عطرها موجتين
تلفان أرجاءه الساكنة
وتسقيه من نهرها بعض ماء
وتعطيه من لحنها دندنة
فيصغى بأحلامه للعبير
ويخفى العذاب لكى يعلنه
ويمضى يمد إليها اليدين
ليحضن أوهامه المزمنة
فتمرق منه وتغدو هواء
وتكمل رحلتها الآمنة
وما تم فى لحظة للفتى
سيشرح أهواله فى سنة !!
-----------------------------------

- قمر -
قمرٌ على بحر الضياء
يصب أسئلة ويقترح الإجابة ..
ويُعطر الليلَ الجموح بماء فضته
ويُلبسه ثيابه
ويداعب الفجر البعيد
يريق أغنية
على حجر البكاء الرخو
يسرف فى الصبابة ..
قمر يرنُّ على جوانب حزننا
فيحنُّ من رناته
طير الكتابة للكتابة
وتهزهز الريح الفؤاد فينتشى
وتبوح من أوجاعها مُقل السحابة
قمر .. ونجم الأغنيات يمد ريشته
ويرسم فى فضاء الليل بستانا ونهرا
قد يسافر فى عذوبته
ولا يُنهى عذابه
هذا المساء لنا
وهذا الحزن
هذا السوسن البرى
يحمل حلمه الباكى
يُحمّله عتابه
هذا المساء لنا وهذا الخوف
هذا العندليب المستحم
بنهر دهشته
يرفرف كى يقص لنا عذابه
قمر وأغنية ونجم ضامر
ماذا سنفعل أيها العشاق
فى ليل يصادقنا جهارا
ثم يرشق فى قلوب الساهرين - جوى -
حرابه ..
ماذا سنفعل غير أن نبكى ونبكى
فارتعش بالدمع يا
وتر الربابة .
---------------------------------

- حلم -
وهب أن فاتنة فى الطريق
أشارت إليك لتتبعها
هل تصدقها أم تكذب نفسك ؟
هب أن سوسنة نبتت فوق حرف السرير
وهب أن بارقة لمعت
فوق كأس عذابك .. هل ؟
إنه الشعر يا صاحبى .
---------------------------------------
- رمش -
رفع سياط الرمش
وأوسعنى عشقا
ومضى ........
--------------------------------------

- قرنفلة -
قدمتُ زهرة القرنفل التى تحبها
قبلتُها .. ضممتُها
بكيت وانحنيت وانكفأت
كانت الريح تعوى
وكانت الذئاب تعوى مثلها
كان صديقى الوحيد
يهزنى يشدنى
مبتعدا بنا عن قبرها .
------------------------------------

- قصة حب -
منذ عامين انتهينا
والهوى فىَّ فضَّ عهوده
منذ يومين التقينا
فى جريدة
أنت فى ركن الزفاف
وأنا تحت قصيدة .
-----------------------------------

- مطر -
مطرٌ يداهم وحدتى
مطر ينادم غرفتى
مطر يطرز باب بيتى
بالمواويل الندية بالثلوج

بأغنيات من شجن
ثم يرمى فوق أهداب البنفسج
وشوشات من وسن
مطر ودود .. مطر لدود
مطر يعبئ كل قيعان القصيدة ..
فاعلن مستفعلن
مطر يخيط لى الكفن .
-------------------------------------
- تداعيات -
يحملنى التفكير المضنى فى البنت
إلى البنت
تحملنى البنت إلى الشرطة
والشرطة للسجن
والسجن إلى الوحدة
والوحدة للتفكير المضنى
فى البنت
وإلخ .. إلخ .. إلخ .
-------------------------------------

- مساء -
وحيدا بمنفاى فى حجرتى
ولا شيء لا شيء
لا زوجة تنتقى ياقتى
أو ترتب فوضاى
فى آخر الليل تبسم لى
كى تقرب نجما إلى شرفتى
وحيدا بمبكاى أستل سيفى
أبارز كل رفاق صباى
أبارزهم واحدا واحدا
وأقتلهم واحدا واحدا
وأبكى عليهم .
-----------------------------------
- أحزان الفرس النبيل -
فرسٌ من خيول القصائد
يركض مبتهجا فى حقول الغناء
فرس ناعس أشقر الشعر
غرته لون قلبى
وعيناه حد اتساع السماء
ولون السماء
فرس راكض يزدهينى برقصته
وبتطريز غرته
وندى مقلتيه
فأنادى عليه
أيها الفرس الريح
يا سيد الخيل
يا نسل أحصنة الفتوحات
يا نسل خيل المروءات
فأفرش منديل قلبى
وأطعمه بعض تفاح روحى
أقول له .. عم مساء
وأتركه يشتهى ما يشاء وما لا يشاء
فرس مترف رائع
وأنا مثله
فرس جامح وجموح
فرس متعب وجريح
يستبد به الجوع للحب
لكنه لا يبوح
ويجتر أحزانه ثم يمضى
ليأكل من لقمة الكبرياء
فرس من سلالة خيل العذابات
والأمسيات الحزينة والذكريات
فرس
دمعه .. شمعه ..
شمعه .. دمعه ..
زيته فى الزمان الشتات
وزيتونه فى الخريف الموات
فرس نبضه من حنين
وشريانه من بكاء العصافير
عند هبوب الشتاء
قلبه طيب مولع بالجنون
إذا ما رأى طيف أحلامه مهرة
عطرها من دموع البنفسج
فى غابة اللوز
شرق النزيف وغرب البكاء
مهرة ..
ليس يشغلها همه
ليس يوقفها دمه
حين يُسفك تحت سنابكها
فى حدائق رقتها
فى بدايات موسمها القمرى
على شرفات الضياء
أيها الفرس العربى الجميل
أيها الفرس المستحيل
هل لك الآن محبوبة مهرة ؟
هل لديك ؟
لديك ..
فحاذر مواسمها يا صديقى
وحاذر وقوعك
فى فخ حرفين :
حاءٍ .. وباء .
--------------------------------

من قصيدته - حضرتان -
كافٌ نون
هل أنت المجنون
بل أنت العاشق والراهب فى دير الحسناء
السمراء الحوراء وذات الطرف المسنون
كيف تركت فضاءك وهواءك أهواءك
أهليك وإخوتك وجئت جلست أمام قضائك
أعواما وقرون
ما أنت بعزت
ما أنت الولد الممراح الرواح المنفلت
المنطلق بحارات النجع
ولكن أنت المسكين
بل أنت مسحور بالطلسم
مسجون وسجين
هل تحلم أنك
ستذوق الصهباء بشفة من ورد وحنين
أم تشرب من ريق هداك العسل المكنون
كلا سوف تريك من الصد فنون
كلا سوف تذيبك وتذيبك
فتصير خيالا جوالا
تهذى بكلام محزون
فاخلع خفيك
والبس خوفيك
واسجد لله وقل
أن تبت من العشق
وأنى كنت بعاشقتى
مسكين .. مسكون .
---------------------------------

- كادت أن تبوح صبية -
قف للمعلم وفـِّـــهِ
كتَبَ المعلمُ فوق سبوراتِهِ البيضاءِ
لملمَ حزنهُ مترقرقا وخجولا
ومضى يقول لفتيةٍ
ولزمرة الفتياتِ في عمر الهدير البكرِ
في وقت الندى
كاد المعلم
أن.... يذوبَ أسى
وكادت أن تبوحَ صبيةٌ بغرامها
لفتى يتيهُ بخصلةٍ سوداءَ
فوق جبينهِ
وتبتلت تبتيلا
قف للمعلمِ
لم يقفْ ولدٌ نحيلٌ
أسود الخصلات
عن تيهٍ
وكـــفـّـتْ في مقدمة الصفوفِ
صبيّةٌ فرعاءُ
عن صمتٍ وعن صبرٍ جميلٍ
أرسَلَتْ في الُظُهرِ
للولدِ النحيلِ
رسولا .
------------------------------------------------

- مريم -
مريم تخرج من باب عذوبتها
كالعطرِ المارقِ
كالبللورِالمنثور
وكالنجمةِ فى ريعانِ تأنقها
تاركــــــــــــــة فى المذياعِ
الشيخَ محمدْ رفعتْ
يبكى فى الصبحِ
وحيدا يتقطر وجدا وحنينا
ويشفُّ يشفُّ
إلى أن يغدوَ طيفا
ونسيما وسماءً
وصفاءً
ودعاءً مسحوراً
يتلو سورتها
ويعطر اركان البيتِ
بزهرِ تلاوتهِ
وينادى
يامريمُ
يامريم
لكنْ ما سمعت مريمُ
يا مريمُ
ما كان ابوكِ امرأ سوءٍ
لكنْ ماردت مريم
ماهزّتْ احلام النخلِ
وما سقط الرطبُ
وواصلتِ السيرَ
إلى وجع آخر .
------------------------------------------------
انتهى - وإلى مختارات قادمة .